إيران وحقبة ما بعد الأسد

TT

منذ نحو عام، طرحنا سؤالا هو: ماذا كان سيحدث إذا لم تدعم إيران النظام البعثي في سوريا؟ أشارت الإجابات عن هذا السؤال آنذاك إلى أن رياح التغيير الإيجابية كانت ستهب على منطقتنا من الاتجاهات السياسية والثقافية والجيوسياسية. نعم لو لم تدعم إيران الأسد، لكانت النتائج مختلفة عن كل ما حدث من إراقة للدماء والطائفية في سوريا ومواقف الدول من إسرائيل إلى المملكة العربية السعودية، ومن «الربيع العربي» إلى المواقف الأميركية تجاه المنطقة، وكانت ستصبح إيجابية على شعوب المنطقة. مع الآسف لم يحدث هذا، حيث رفضت إيران أن تصبح طرفا مؤثرا أو فاعلا في المنطقة لتدعم النظام البعثي القريب منها آيديولوجيا والذي دخلت ضده أطول حرب في القرن العشرين. أدى هذا التنازل إلى موقف من الصعب إيجاد حل له، بالنسبة لكل من إيران والمنطقة.

وتواجه إيران، مثلها في ذلك مثل روسيا، مشكلة أكبر من استمرار حكم الأسد في سوريا، ألا وهي: ما الذي سيفعلانه بدون الأسد؟ فلن تغير نوعية الإجابة التي تقدمها روسيا عن هذا السؤال الوضع الجيوسياسي المبالغ فيه لروسيا أثناء حكم الأسد لسوريا. وأوضح آخر التحليلات أن روسيا سوف تكون طرفا فاعلا في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط من الناحية الجيوسياسية في السيناريو الذي يغيب عنه الأسد كما كانت خلال الأعوام الأربعين الماضية، فغيابه ليس بالأمر المهم بالنسبة لروسيا.

الموقف مختلف بالنسبة لإيران، فقد فقدت الجمهورية الإيرانية الإسلامية، التي وصلت إلى سدة الحكم عن طريق ثورة شعبية، الكثير من شعبيتها بسبب موقفها تجاه الحراك الذي يحدث في سوريا. وحان الآن وقت طرح سؤال جديد، وهو: ما الذي يمكن أن تفعله إيران لتضميد جراحها بعد رحيل الأسد؟

للأسف لا توجد إجابة شافية يمكن أن تقدمها إيران عن هذا السؤال على المدى القريب. مع ذلك لا تزال أمام إيران فرصة لتغيير توجهها تماما والتراجع عن موقفها خلال حقبة ما بعد الأسد وتصبح بذلك طرفا قويا فاعلا في المنطقة.

منذ أربعة أيام فقط، زار مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى، نظام البعث، الذي ترددت روسيا في زيارته خلال المرحلة الراهنة من اللعبة. ومن الواضح أن الأطراف السياسية الإيرانية لا تستطيع قراءة ما تشهده المنطقة من تطورات لأنها لم تتردد في التقاط الصور مع أفراد في نظام البعث، الذي لم يتبق له أي أصدقاء سوى روسيا، نتيجة ما اقترفه من قتل عشرات الآلاف من السوريين. على إيران تغيير نظرتها إلى المنطقة إذا كانت تريد حقا أن تصبح طرفا فاعلا فيها خلال حقبة ما بعد الأسد. ولن يكفي أن تتخذ موقفا ضد النظام البعثي في سوريا وهو عدو إسرائيل الذي لا يسبب لها مشاكل كثيرة. وعلى إيران أن تدرك الفرصة العظيمة السانحة لها حتى وإن شاركت في وقت متأخر. وعلى الحكومة الإيرانية إحداث تغيير في العلاقات التي باتت صعبة أو مستحيلة بسبب سوريا فورا. وتمثل سوريا من دون الأسد مخرجا لإيران، التي تريد إقامة علاقات سليمة مع مصر وتونس وليبيا، والاضطلاع بدور حاسم في المشهد السياسي اللبناني والعراقي، وإقامة علاقة استراتيجية مع تركيا والتخلص من الوصف الساخر لها بأنها جهة داعمة طائفية لحزب البعث. ولن يفيد الابتعاد ولو قليلا عن هذا الوصف إيران وحدها، بل المنطقة بأكملها، حيث حينها فقط لن يتم التشكيك في شرعية وشعبية الجمهورية الإيرانية الإسلامية.

لا ينبغي أن تضيع الثورة الإسلامية الإيرانية، التي كانت أكبر ثورة في القرن العشرين ضد الشاه، بتأثير من الولايات المتحدة وإسرائيل، بسبب المجازر التي يرتكبها النظام البعثي السوري.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية