عراقان

TT

كثيرا ما يشار إلى العراق بالعراقين كما فعل الرصافي:

يا أهل لندن ما أرضت سياستكم - أرض العراقين لا بدوا ولا حضرا

هناك عراق البداوة وعراق الحضارة. واليوم عندنا عراق التخلف وعراق التمدن. يتمثل عراق التخلف بالزيارات المليونية واللطم المليوني. وعراق التمدن تلقاه في كردستان وفي جالية المغتربين وفرقها الموسيقية والمسرحية. وهو ما شهدته قبل أيام لا على ضفاف دجلة وإنما على ضفاف التيمس في الحفل الرائع الذي نظمه المركز الثقافي العراقي بإدارة مديره الشاب عبد الرحمن ذياب. أقيم «يوم العراق» في 16 رمضان بين الساعة 12 ظهرا والساعة 8 مساء. اهتديت للموقع من رائحة شواء المسقوف وكباب سليمانية التي عبقت على امتداد الشاطئ. ورأيت القوم في صفوف طويلة انتظارا لساندويتشات الكباب والسمك. سمعت سيدة عراقية تسأل البائع: «عيني هذي الهمبورغر لحم حلال؟» هز البائع رأسه بما يعني النفي. لا عيني لا. قالت «زين أعطيني اثنين». ابتسم البائع ابتسامة العجب من أمرها. عراقية تربية بغداد!

وذكرتني ابتسامته بالحشاشين الاثنين في مصر. اشتاقا للقهوة فتوجها لمقهى شعبي: «يا معلم عندك قهوة باردة؟» صاح بهما غاضبا: «امشوا حشاشة أوغاد». مشيا لمقهى ثان: «عندك قهوة باردة يا معلم». تلقيا نفس الجواب ومشيا. وتكررت المحاولة حتى وصلا إلى قهوجي هو الآخر حشاش: «فيه عندك قهوة باردة؟» أيوه. باردة خالص!

«طب سخن لنا فنجانين وحياتك».

ضم الحفل شتى المنتجات الفنية من الرسامين والخزافين والخطاطين من فناني مهجر الجالية العراقية. وعلى المنصة اعتلت الفرق الموسيقية تعزف لمطربات شقراوات بيضاوات بلون قيمر الهندية. ولا عجب فكلهن سويديات ونرويجيات تعلمن الأغاني العراقية الشعبية ونطقن بها بفصاحة المسؤولين العراقيين. «جا مالي والي» وقلن صدقا وحقا.

غنت إحداهن أغاني شعبية كردية. رفع شاب من الحاضرين علم كردستان على المسرح. ولم يحتج أي أحد. ماكو مشكلة. ارفع أي علم يعجبك في العراق الآن. أميركاني، بريطاني، إيراني. ولو كنت أعتقد أنه كان الأولى بهذا الشاب أن يرفع علم مملكة السويد التي تعيله وتنفق عليه وتعلمه الدق على الطبلة وتعطيه دبلومة بالمزيكا.

وأمام المسرح جرى عرض للأزياء العراقية أبدعت المصممات في تطويرها وتلوينها بما يوحي ويعبر عن تلون المجتمع العراقي الحاضر بشتى الصبغات. ولكن لم يكن للون الأسود، لون العراقيين المفضل مكان بينها. فهنا جالية المغتربين السعداء المحظوظين الذين استطاعوا الهرب من بلدهم واللجوء لدول أكثر عطفا عليهم من حكوماتهم.

التقيت السير تري كلارك، السفير البريطاني السابق في العراق. جلب معه عائلته وأحفاده لمشاركة العراقيين في أفراحهم. «شي بديء (بديع)» قال بلهجته العراقية التي أجادها. أجبته وقلت: «إي نعم. هذا هو العراق الأصيل. عراق الحرية والعلمانية والعقلانية. عراق أيام الخير».

انصرفنا وكلنا أمل في أن يجعل المركز الثقافي العراقي هذا اليوم «يوم العراق» يوما سنويا.