الحوار بين المذاهب

TT

اقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية بالرياض، فهل ينهي هذا المركز الصراع، أو الاختلاف، بين المذاهب؟ بالطبع لا، ولا يمكن القول بذلك إطلاقا، لكن إنشاء هذا المركز، والشروع بالحوار ستكون له فوائد جمة تنعكس على كل المسلمين.

أولى فوائد الحوار بين المذاهب الإسلامية هو الإعلان بقبول الآخر، وهذا بيت القصيد، وأعظم ما يمكن أن نصل له، خصوصا أن منسوب الطائفية في منطقتنا بات مرتفعا بشكل مرعب، وكان الاختلاف بين المذاهب نتاج أحداث آنية وليس اختلافا قديما بعمر الدين الإسلامي نفسه، وعاشت منطقتنا، بل عاش أبناء الدين الإسلامي، عصورا من التعايش، والسلام، حيث أطر الخلاف بحدوده، وتعايش الجميع لفترات من الزمن، لكن اليوم، ومع كل ما هو متوفر من وسائل تقنية عصرية بات من السهل التراشق، والطعن، والتأجيج، حتى أصبح الصراع الطائفي خطرا يهدد منطقتنا برمتها، خصوصا مع مطامع إيران السياسية في المنطقة، وحجم التحولات السياسية حولنا سواء بالعراق، أو لبنان، أو ما يحدث في سوريا الآن.

ولذا فإن مركز الحوار بين المذاهب يعد أمرا مطلوبا، وعملا محمودا، دينيا، وسياسيا، واجتماعيا، وأهميته الحقيقية أنه جاء بدعوة سعودية، وتحديدا من خادم الحرمين الشريفين، فالدعوة للحوار بين المذاهب الإسلامية تعني أن أرض الحرمين كانت ولا تزال بعيدة عن ما يفرق المسلمين، وتسعى لجمعهم على كلمة سواء، وتقف ضد الاستخدام السياسي للمذاهب، وهذا هو المنهج السليم؛ فالسعودية أرض الحرمين، وقبلة المسلمين، ودورها الرئيسي، ومحور اهتمامها، منذ تأسيسها على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، رحمه الله، هو خدمة الإسلام والمسلمين، بكل مشاربهم، فالسعودية ليست بالدولة الطائفية، وهي مشروع وحدة لا إقصاء، أما الفصل بين الناس فهو بيد خالق الخلق سبحانه.

ومن هنا فإن دعوة العاهل السعودي لتأسيس مركز حوار بين المذاهب تعني أن السعودية ترفض الطائفية، ولا تستخدمها كأداة من أدوات النفوذ، والسيطرة السياسية، وأن الرياض لا تبني مواقفها مما يحدث بسوريا، مثلا، وفق منطق طائفي كما يروج البعض، فالملك عبد الله بن عبد العزيز نفسه هو الرجل الذي حاول، مرارا وتكرارا، إصلاح الحال بسوريا، مع الأسد الأب والابن، والملك عبد الله هو مَن مد اليد لإيران، منذ عهد السيد هاشمي رفسنجاني، وأعطى كل الفرص للعراق، أيام صدام، وأثناء مصافحته الشهيرة لعزت الدوري في لبنان عام 2002، وكذلك لعراق ما بعد صدام، ومع نوري المالكي، وها هو العاهل السعودي يعود مجددا لمد اليد، ولكل الطوائف، والمذاهب، وليس للدول، أو الأشخاص، ولم يفعلها العاهل السعودي لمجرد الدعاية السياسية، والدليل أن الملك عبد الله هو أول من أطلق الحوار الوطني السعودي داخليا يوم لم يكن مصطلح الحوار رائجا بالمنطقة، والملك عبد الله هو من أطلق حوار الأديان أيضا، وكل ذلك يعني أن العاهل السعودي يؤمن فعليا بالحوار، ولا يستخدمه كدعاية سياسية على الإطلاق.

وعليه فإن الكرة الآن في ملعب الآخرين من مستخدمي الطائفية، فهل يفوتون الفرصة، أم ينزهون الدين، وهو منزه، عن السياسة؟ هنا السؤال!

* يتوقف المقال حتى بعد عيد الفطر.. عيد سعيد، وكل عام وأنتم بخير.

[email protected]