حكايتي مع الملكة (5) نفرتيتي في كل مكان

TT

تبدأ رحى الحرب العالمية الثانية مبشرة بخراب ودمار لا مثيل له على الجنس البشري؛ لقد دقت الحرب طبولها في معظم أرجاء الكرة الأرضية.. سواء في كل أوروبا، والولايات المتحدة الأميركية واليابان وتجر منطقة الشرق الأوسط إلى الحرب لا بسبب سوى أن معظم بلدانها في ذلك الوقت كانت ترزح تحت حكم محتل إما إنجليزي وإما إيطالي أو غيرهما، ومع البدايات الأولى للحرب تبدأ أغرب وأعجب رحلة لأثر فريد على الأرض؛ وهي رحلة رأس الملكة نفرتيتي التي استطاع عالم الآثار الألماني لودفيج بورخارد تهريبها إلى ألمانيا في وإبقاءها سرا حتى 1924 عندما عرضت على الجمهور لأول مرة. ومن الغريب حقا أن بورخارد نفسه وهو من عائلة يهودية يوصي بأن يدفن في مصر؛ وعندما توفي في 12 مارس (آذار) 1938 تم دفنه في حديقة المعهد السويسري للدراسات الشرقية على حافة نيل الزمالك وأسفل صخرة من الغرانيت الوردي من محاجر أسوان.

يغلق متحف برلين ويتم نقل كنوزه الأثرية إلى ملاجئ آمنة، وذلك في عام 1939م، أما رأس نفرتيتي فيتم إيداعه في خزينة مؤمنة بالبنك الوطني البروسي ليظل به حتى خريف عام 1941 عندما تقرر نقله إلى خزينة مؤمنة بأحد الأبراج الحصينة المقاومة للغارات الجوية، والتي اخترعها المهندسون الألمان كخطوط دفاعية ضد غارات طائرات الحلفاء وكذلك كملاجئ لعشرات الآلاف من الألمان عند وقوع الغارات.

وفي مارس من عام 1945 يتم نقل الملكة نفرتيتي بصورة مفاجئة إلى منجم قديم للملح بمقاطعة ثورنجيا بوسط ألمانيا؛ وفي نفس العام يقع الرأس البديع في يد الجيش الأميركي، وذلك مع نهايات الحرب العالمية الثانية وهزيمة الألمان ودول المحور وتدمير برلين، يقوم الجيش الأميركي بالإعلان عن عثوره على رأس الملكة المصرية نفرتيتي؛ وبمجرد ظهور الإعلان تتقدم مصر بطلب رسمي إلى الحكومة الألمانية تتطلب فيه تسليم الرأس لها؛ ولكن للأسف الشديد يرفض الأميركان الطلب ويقدمون النصيحة إلى الحكومة المصرية بفتح حوار والتفاوض حول الرأس مع الحكومة الألمانية الجديدة. يقوم الأميركان بحفظ نفرتيتي مؤقتا في خزينة بالبنك المركزي بهامبورغ والذي كان قد أغلق أبوابه في نفس العام (1945)، وقبل نهاية العام يتم نقل الرأس إلى نقطة تجميع كنوز الألمان المتحفظ عليها في فيسبادن وتعرض نفرتيتي مرة أخرى على العامة وهي تحت الحماية الأميركية منذ عام 1946. يتم تسليم الرأس إلى حكومة ألمانيا الغربية في 1956 بعد أن تم قسمة ألمانيا إلى شطرين - غربي وشرقي؛ وتقوم ألمانيا الغربية بعرض نفرتيتي بمتحف دالهيم للفنون؛ بينما تتظلم ألمانيا الشرقية وتصر على استرجاع الرأس ليعرض مرة أخرى بمتحف برلين المعروف بمتحف الجزيرة، والذي قصفة السلاح الملكي البريطاني في 1943 ودمرته تماما. هنا دخلت ألمانيا الشرقية مع مصر كل يطالب بأحقيته في امتلاك نفرتيتي والتي ما كادت تستقر في دالهيم حتى يتم نقلها مرة أخرى إلى متحف شارلوتنبرغ، وذلك في 1967 وتظل الملكة في هذا المتحف حتى تتوحد ألمانيا مرة أخرى وفي 2005 يتم نقل الملكة نفرتيتي مؤقتا إلى المتحف القديم ببرلين استعدادا لعرضها بالمتحف الجديد على جزيرة المتاحف بعد إعادة بنائه مرة أخرى؛ وبالفعل يعاد افتتاح المتحف في أكتوبر 2009 وتخصص قاعة بالطابق العلوي لعرض أجمل رأس لامرأة في التاريخ - رأس الملكة نفرتيتي.