ميشال سماحة لا هو بداية ولا نهاية والقادم تحريك البؤر الإيرانية!

TT

المفترض أن ينظر إلى فضيحة اتهام وزير الإعلام اللبناني الأسبق ميشال سماحة بتورطه - بتكليف من مسؤول الأجهزة الأمنية السورية اللواء علي المملوك - في نقل متفجرات بسيارته الخاصة من دمشق وتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية ضد رموز في الطائفتين السنية والمارونية المسيحية لإشعال نيران الفتنة في لبنان، على أنها مجرد حلقة صغيرة في إطار سلسلة كاملة كان تحدث عنها الرئيس السوري بشار الأسد نفسه عندما هدد في بداية هذه الأحداث التي تعصف بسوريا بأن ما يجري في «بلده» سوف ينتقل إلى دول المنطقة كلها، وأن الزلازل المدمرة سوف تضرب الشرق الأوسط بأسره.

وبداية، قبل الاستطراد في الحديث عن هذا الأمر، لا بد من التذكير بأن هذا النظام، طوال سنوات حكم الرئيس السابق حافظ الأسد الذي استمر نحو ثلاثين عاما ويزيد، بقي يستخدم تصدير الإرهاب إلى الدول المجاورة والبعيدة كسلاح لابتزاز هذه الدول وفرض مواقفه وسياساته عليها، ولعل مسلسل الاغتيالات الذي بقي يضرب لبنان والذي ذهب ضحيته عدد من كبار القادة والمسؤولين والرموز اللبنانيين مثل الشيخ حسن خالد والشيخ صبحي الصالح وقبلهما رياض طه وكمال جنبلاط وبعدهما الرئيس رينيه معوض والرئيس رفيق الحريري ومن ذهب معه وقبله في تلك الموجة المرعبة من العنف التي أزهقت أرواح الكثير من الشخصيات والكفاءات اللبنانية يثبت ويؤكد هذه الحقيقة المرة التي من المفترض أنه آن الأوان لتأخذ مجراها إلى محكمة العدل الدولية.

لم تسلم من عملية تصدير الإرهاب، التي دخلت إيران مبكرا كلاعب رئيسي فيها، معظم الدول العربية، بالإضافة إلى تركيا التي لا تزال تعاني من احتضان دمشق لحزب العمال الكردستاني التركي وفتح معسكرات له على الأراضي السورية واللبنانية واحتضان بعض المجموعات الأرمنية التي نفذت الكثير من العمليات الإرهابية ضد سفارات تركية في بعض دول أوروبا الغربية.

ثم إن المعروف أن حافظ الأسد قد لجأ إلى ابتزاز بعض الدول الخليجية والحصول على «إتاوات» مالية منها بتهديدها بالعنف من خلال بعض التنظيمات المحسوبة على المقاومة الفلسطينية، وهذا كان حصل حتى لبعض الدول الأوروبية، ولكن ليس لأسباب مالية وإنما لأسباب سياسية تتعلق بفرض هيمنته على لبنان ومحاولات مد نفوذه إلى دول عربية أخرى من بينها الأردن ومن بينها مصر ذاتها التي كانت تعرضت لموجة عنف مرعبة بدءا من بدايات ثمانينات القرن الماضي، أي بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وحتى هذه اللحظة حيث تحولت سيناء إلى ما هي عليه الآن كبؤرة إرهابية إيرانية مركزية.

ثم إن المعروف أيضا أن حافظ الأسد كان عندما وصل خلافه مع صدام حسين إلى الذروة قد شن على العراق حربا إرهابية كان لإيران فيها الدور الرئيسي، وكانت ذروتها عمليات الاغتيالات ومحاولات الاغتيالات التي شهدتها بغداد ومدن عراقية أخرى على مدى سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وكذلك كانت ذروتها استهداف السفارة العراقية في بيروت في تلك العملية المرعبة التي كانت إحدى ضحاياها بلقيس زوجة الشاعر العربي الكبير المعروف نزار قباني، وكذلك فإن المعروف أن بشار قد استأنف ما كان فعله والده بتحويل سوريا إلى ممر لإرهابيي «القاعدة» بحجة مواجهة الأميركيين وإغراقهم في المستنقعات والرمال العراقية.

في كل الأحوال وبالعودة إلى البداية فإنه ولمعرفة الأبعاد الحقيقية والفعلية لتهمة ميشال سماحة، التي يقال إن المخابرات السورية أدخلته فيها وحيث حدث ما حدث وجنب الله لبنان موجة اغتيالات وإرهاب كان من الممكن أن تكون بداية حرب أهلية جديدة، لا بد من ربط هذا الذي جرى بعملية الحافلة السياحية التي قتل فيها عدد من السياح الإسرائيليين التي كانت قد جرت في أحد المنتجعات السياحية البلغارية واتهم فيها حزب الله اللبناني، ولا بد من ربطها أيضا بانسحاب جيش النظام السوري من محافظة الحسكة ومدينة القامشلي في الشمال الشرقي وتسليمها لحزب العمال الكردستاني التركي ودفعه لتنشيط عملياته ضد تركيا إن في المنطقة المقابلة وإن في العمق الداخلي وإن أيضا في كل نقاط ومناطق تواجده على الحدود العراقية - التركية.

لقد جاء كل هذا بينما بادر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي - الذي بقي يتصرف، حتى بعد تبوئه لموقع المسؤولية الأولى والأهم في العراق كضابط صغير في فيلق القدس الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني - إلى افتعال أزمة - بالتنسيق مع إيران ومع جلال طالباني - ضد الزعيم الكردي مسعود بارزاني لتحقيق ما كان هدد به بشار الأسد وهو إشعال نيران العنف وعدم الاستقرار في عدد من دول هذه المنطقة وبخاصة المحاددة لسوريا والقريبة منها. وهنا فإن ما لا يستطيع أي أحد كان إنكاره هو أن خلق كل هذه الإشكالات المتلاحقة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية يأتي في هذا الإطار، وكذلك الأمر بالنسبة لما بقي يجري في مملكة البحرين ولما بقي الإيرانيون يقومون به من دعم متواصل لـ«حوثيي» اليمن ومن تدخل استخباري وسياسي في الشؤون الداخلية اليمنية.

والأخطر في هذا كله هو أن الإيرانيين بدعم استخباري سوري وبالاعتماد على حزب الله اللبناني واختراقاته في مصر وفي السودان قد تمكنوا في فترة الإرهاق السياسي التي كان يعيشها نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك وبتواطؤ إسرائيلي وتنسيق مع حركة «حماس» من تحويل سيناء إلى قاعدة إرهابية تتجمع فيها الكثير من التنظيمات المتطرفة المسلحة وكان الهدف أن تكون نقطة ارتكاز، تضم دويلة غزة أيضا، لمشروع الهيمنة الإيرانية - الفارسية على المنطقة الشرق أوسطية كلها تقابل نقطة الارتكاز الأخرى التي تشكلها دويلة حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الشمالية الشرقية.

والملاحظ هنا أن كل رؤوس هذه الجسور المتقدمة للنفوذ الإيراني في المنطقة، التي يستند إليها بشار الأسد بتهديداته المتكررة بتصدير العنف والزلازل وعدم الاستقرار إلى دول هذه المنطقة، تحيط بالمملكة العربية السعودية من كل الاتجاهات. وحقيقة أن هذه مسألة لا يجوز أن تكون مستغربة، فالسعودية هي الحلقة الرئيسية في السلسلة العربية، ولذلك فإن الإيرانيين ومعهم نظام دمشق ونوري المالكي وحسن نصر الله وجلال طالباني وبعض الاتجاهات في «حماس» وكل تنظيمات التطرف والإرهاب ومن بينها «القاعدة» تحاول كسر هذه الحلقة الأساسية لتتمكن دولة الولي الفقيه من تحقيق هدف تمددها في هذه المنطقة العربية الذي بقيت تسعى إليه منذ انتصار ثورتها الخمينية وحتى الآن.

ولهذا، ونظرا لأن إيران تعرف تمام المعرفة أن انهيار نظام بشار الأسد، الذي غدا في مرحلة لفظ أنفاسه الأخيرة، يعني فشل مشروعها الفارسي في هذه المنطقة العربية فإنها ومعها بالطبع هذا النظام السوري لن تكتفي بهذه المحاولة الفاشلة التي قام بها ميشال سماحة وأنها إن هي تأكدت من رحيل حليفها في دمشق فإنها ستحرك حزب الله ليفعل ما لم يستطع فعله وزير الإعلام اللبناني الأسبق وأنها ستحرك أيضا نوري المالكي وحزب العمال الكردستاني التركي لإشعال مناطق كردستان العراق وإشعال المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا بل وإشعال العراق نفسه، وكل هذا بالإضافة إلى تحريك البؤر المتأججة الأخرى إن في البحرين وإن في الكويت وإن في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية وإن في اليمن وإن في غزة وأيضا في سيناء التي لم تتم سيطرة الجيش المصري على الأوضاع المتفجرة فيها حتى هذه اللحظة.