سوريا وقمة التضامن الإسلامي

TT

في رمزية إسلامية معبرة، استقبلت السعودية في المسجد الحرام بمكة المكرمة، ليلة السابع والعشرين من رمضان، قمة استثنائية لدول العالم الإسلامي، وقد بحثت القمة التحديات التي تواجه العالم الإسلامي، حيث فلسطين القديمة وسوريا وميانمار الحديثة.

الحدث السوري أو المأساة السورية هي بالتأكيد على رأس الأسباب للدعوة لهذه القمة، وقد جاءت القرارات تجاهها بتعليق عضوية سوريا في المنظمة تبعا لتعليق عضويتها سابقا في الجامعة العربية وتبعا كذلك للجهود الدبلوماسية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وهي جميعا قرارات تضع مزيدا من الضغوط على نظام الأسد في سوريا.

واضح منذ فترة ليست بالقصيرة أن المعركة في سوريا لم يعد بالإمكان حسمها ولا التأثير فيها إلا على الأرض من خلال إصرار الشعب السوري على الخلاص من هذا النظام المجرم والدموي، وعبر العمليات العسكرية التي يقودها الجيش السوري الحر، وهو أثبت قدرات متميزة على إدارة العمليات القتالية والتنسيق الكبير بين شتى فصائله وكتائبه ومجموعاته، ومن ذلك العملية الأشهر التي قام بها في دمشق من خلال استهداف القيادات العسكرية والأمنية لإدارة الأزمة، وكذلك العملية النوعية التي استهدف بها مقر رئاسة الأركان السورية بالعاصمة دمشق، ومن خلال تكتيكات المواجهة مع النظام في حلب وفي غيرها من المدن السورية، التي وصلت إلى القدرة على إسقاط طائرة حربية في دير الزور.

أكثر من هذا أن «الجيش الحر» بدأ التواصل مع قيادات النظام الراغبة في الانشقاق عنه، وتأمين خروج تلك الشخصيات مع أقاربها ومعاونيها إلى خارج سوريا، في عمليات معقدة تبين عن تطور ملحوظ في طبيعة تنظيم «الجيش الحر»، وتبقى الرغبة أكثر إلحاحا لإعادة هيكلة هذا الجيش ليصبح جيشا وطنيا جديدا لا تطغى عليه أي صفات طائفية أو إثنية أو جهوية بما يمكّن من استمراره بعد سقوط نظام الأسد والاعتماد عليه كحاجز منيع ضد انفراط عقد الأوضاع داخل سوريا في مرحلة ما بعد الأسد.

انتقل جيش الأسد لاستخدام الطيران والقصف الجوي بكثافة في الفترة الأخيرة، ولهذا الانتقال دلالتان مهمتان؛ الأولى: أن قوات الأسد ودباباته التي كانت تبث الرعب أينما توجهت قبل بضعة أشهر باتت تخاف التحرك على الأرض والتنقل بين المحافظات السورية، وأصبحت تجد مخاطر جمة في إدارة المعارك ونقل القوات بناء على العمليات المتتابعة ضدها من قبل «الجيش الحر». الثانية: إثبات أن الأسد يواجه شعبه بالكامل ويعلن عليه حربا شاملة ولا يواجه مجموعات إرهابية هنا أو هناك كما كانت الدعاية التي تبناها منذ بدء الأحداث في سوريا، وهذا دليل مهم على إفلاس بشار الأسد وانعدام سبل الخلاص أمامه، فهو يلجأ لكل ما تبقى في يديه من ألعاب القوة.

ومن دلائل إفلاس نظام الأسد كذلك، اعتماده على ورقة قديمة كان يستخدمها دائما لخدمة أهدافه وغاياته، وهذه الورقة هي ورقة لبنان واللعبة الطائفية فيه؛ فقد حاول إشعال الفتنة الطائفية في لبنان عبر التخطيط لتفجيرات واغتيالات طائفية تستهدف خلق فتنة طائفية بين السنة والمسيحيين في عكّار، وذلك عبر عملية خطط لها علي مملوك وأوكل تنفيذها إلى النائب اللبناني والوزير السابق ميشال سماحة الذي كان يتشدق بالديمقراطية والحرية أمام وسائل الإعلام العربي والأجنبي، ثم لم يلبث أن تجلى عن قاتل مأجور لا يرد للأسد أمرا ولا يناقشه في توجه على طريقة «هيك بدّو بشار»، واستخدام الأسد لسماحة دليل إفلاس جديد، حيث لم يستخدم عناصر حزب الله المدربة والمجربة في هكذا عمليات، ولكنه اضطر للجوء لسماحة ليقوم بالتنفيذ، وهو ما يطرح أسئلة ملحة من مثل، هل عناصر حزب الله مشغولة بالقتال داخل سوريا مع قوات الأسد، أم أنها مدخرة لعمليات أوسع وأشمل، أم أن إيران التي بدأت بالسعي للتواصل مع المعارضة السورية أخذت تقتنع أخيرا بنهاية حتمية للأسد وتفتش عن بدائل وتدخر حزب الله لنفسها؟

إن محاولة نظام الأسد خلق فتنة طائفية في لبنان لها دلائل أكثر، وذلك أن أغلب دول الخليج طالبت مواطنيها بعدم السفر إلى لبنان وطالبت الموجودين في لبنان بالخروج منه ومغادرته بأسرع ما يمكن، وبالفعل بدأت تخرج بعض المجموعات المسلحة التي تهدد دول الخليج وتستهدف مواطنيها تحت أسماء قد تتعدد لاحقا، ظهر منها ما سمي المجلس العسكري أو الجناح العسكري لعائلة المقداد التي أعلن الجيش السوري الحر القبض على أحد أبنائها بسوريا سابقا.

المشهد الدولي العام يشهد منذ أمد توجهات متوالية من قبل الدول العربية والدول الغربية المؤيدة لها وأصدقاء سوريا بشكل عام، لاستصدار قرارات من الأمم المتحدة ومن مجلس الأمن للجم قوات الأسد والحد من دمويته وعنفه الرهيب، وعلى الرغم من أن تلك التوجهات والقرارات لم تصل لنتيجة مفيدة ومؤثرة حتى الآن بناء على التعنت الروسي - الصيني الداعم بشكل أعمى لكل ما يصنعه الأسد، إلا أن الدلالة العامة هي أن الأسد وحماته الدوليين والإقليميين روسيا والصين وإيران هم في موقف رد الفعل والدفاع فقط، أما المبادرات والتحرك والضغط فيأتي من الجهة الأخرى - أي أصدقاء الشعب السوري.

لا بد أن تثمر هذه الجهود إن عاجلا أو آجلا – ويجب أن يكون عاجلا - حلولا أكثر عملية في دعم الشعب السوري وإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من سوريا، ولئن عجز المجتمع الدولي عن استصدار أي قرارات ذات قيمة في تغيير المعادلة على الأرض أو خلق مناطق عازلة وآمنة فإن الوقت قد حان لتزويد المعارضة السورية - كما كتب البعض من قبل - بمضادات الطائرات، التي إن توافرت لـ«الجيش الحر» فسيكتب بنفسه نهاية وشيكة ودامية لأعتى الأنظمة وحشية في الزمن المعاصر.

أخيرا، وافقت قمة التضامن الإسلامي على مشروع الملك عبد الله لتأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية، يكون مقره الرياض ويأتي مكملا لمشاريع الحوار السابقة التي أطلقها الملك، وهي: مشروع الحوار الوطني داخل السعودية، ومشروع الحوار بين الأديان العالمي. وأحسب أن مشروع الحوار بين المذاهب والطوائف الإسلامية مهم جدا في المرحلة القادمة، حيث بدأت نذر الفرقة الطائفية والمذهبية يملأ دخانها سماء المنطقة، وتوشك أن تتحول لحرائق تلتهم الأخضر واليابس في قابل الأيام.