التجربة والحصيلة بين السادات ومرسي

TT

ماذا جرى في الفترة من 24 يونيو (حزيران) 2012 إلى 12أغسطس (آب) من العام نفسه، بين الرئيس محمد مرسي والمجلس العسكري الذي حكم مصر طوال المرحلة الانتقالية، منذ قيام ثورة 25 يناير وحتى انتخاب رئيس جديد للبلاد؟!

ففي 24يونيو، كان قد تم الإعلان عن فوز الدكتور محمد مرسي، بمنصب رئيس الجمهورية، وفي 12أغسطس أصدر الرئيس قرارات غير مسبوقة، في عهده، بإعفاء المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري، والفريق سامي عنان نائب رئيس المجلس، وقادة الدفاع الجوي، والقوات الجوية، والبحرية، من مناصبهم، دون مقدمات، ودون سابق إنذار!

وإذا كنت أطرح السؤال، هنا، عما جرى في مصر بين التاريخين، وليس عن يوم إصدار القرارات، فإن ذلك راجع إلى أن مثل هذه القرارات، لا بد أنها لم تصدر من فراغ، ولم تكن بنت لحظتها، ولا بد أن هناك مقدمات لا نعرفها، سبقتها تحت سطح الأحداث، وهذه المقدمات، تحديدا، هي ما يجب أن نعرفه، خصوصا أن العلاقة بين الطرفين، الرئيس من ناحية، والمجلس العسكري من ناحية أخرى، كانت طوال الفترة الممتدة بين التاريخين، أي منذ مجيئه رئيسا، إلى ساعة إعفاء القادة الخمسة من المناصب، لا توحي مطلقا، بأنه سوف يبادر بخطوة مغامرة من هذا النوع!

وكان مسؤولان أميركيان اثنان، قد زارا القاهرة، خلال تلك الفترة، منفردين، وكان كلاهما حريصا على أن يلتقي الطرفين، رأسا برأس، وحريصا أيضا على أن يصرح بعد اللقاءين، بأن هناك تفاهما بين الرئيس، والمجلس، وأنه كمسؤول أميركي، يدعم الانتقال الكامل للسلطة، من المجلس إلى الرئيس!

هذان المسؤولان هما هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية، «وبانيتا» وزير الدفاع، وكانت تعليقات صحف العالم تشير من بعيد في كل مرة من المرتين، إلى أن السلطة في مصر، بعد مجيء الرئيس الجديد، لها رأسان: رأس الرئيس، ورأس المجلس العسكري.

وربما تكشف الأيام، في ما بعد، عن أن هناك وجه شبه، بين هذه الفترة التي نتحدث عنها، والفترة الممتدة من 28 سبتمبر (أيلول) 1970عندما رحل الرئيس جمال عبد الناصر، عن الدنيا، إلى 15مايو (أيار) 1971عندما حصد الرئيس السادات، خصومه السياسيين بقرار واحد، واستطاع أن يتخلص من صداع كان لا يفارقه، وقضى على ما اصطلحنا بعدها على تسميتهم «مراكز القوى» ودخل يوم 51 مايو إياه، تاريخنا، على أنه «ثورة 51 مايو» ولم نفكر منذ تلك اللحظة في أن نتعامل معه، على أنه يوم عادي!

وقد يكون من المناسب أن نشير، ونحن نقارن بين الحدثين، إلى أن الرئيس السادات ظل لعدة سنوات، بعد قراراته في 51 مايو، يصف الخصوم الناصريين الذين حصدهم في ذلك اليوم، بأنه كان يجب أن يخضعوا لمحاكمة بتهمة الغباء السياسي، وكان إذا سُئل عن السبب، قال إنه ظل طوال الفترة من 82 سبتمبر إلى 51 مايو، يبحث عن أي وسيلة للتخلص منهم، دون جدوى، إلى أن فوجئ بهم جميعا يتقدمون باستقالات جماعية إليه، فقبلها على الفور، بعد أن أوجدوا هم له حلا، كان لا يجد أبدا طريقا إليه!

وكان يقول أيضا، إنهم عندما تقدموا باستقالات جماعية، فإنهم كانوا وكأنهم قد ربطوا أنفسهم بحبل، ولم يفعل هو شيئا، سوى أنه جذب الحبل فسقطوا دفعة واحدة، دون أي جهد من جانبه، مع أنه كان قبلها، يتصور أن المسألة في حاجة إلى عمل خارق من ناحيته!

هل تكرر مع الدكتور مرسي، إذن، ما سبق أن حدث مع الرئيس السادات، مع اختلاف الظروف والشخوص طبعا؟! وهل قدم القادة الخمسة، أسباب إقالتهم، إلى الرئيس مرسي، على طبق من ذهب، أم أنه احتاج إلى أن يناور طويلا، على مدى الفترة التي تقترب من الشهرين، حتى يتخذ قرارات لم تكن في نظر كثيرين، مأمونة العواقب؟

لا أحد يعرف، لأن أيا من الطرفين، لم يتكلم بعدها، وإذا كان الرئيس قد تكلم يوم اتخاذ القرارات، وهو يخطب مساء في الأزهر الشريف، بمناسبة الاحتفال بـ«ليلة القدر» فقد قال كلاما أقل ما يوصف به، إنه كلام دبلوماسي، لا يكاد يشفي غليل أحد ممن كانوا ولا يزالون يريدون أن يتعرفوا على حقيقة ما جرى!

إن القرارات في حد ذاتها، سوف تظل تشبه رأس الجبل العائم، أما جسد الجبل نفسه، فهو غاطس تحت الماء، لا نراه، وسوف يأتي يوم يطفو بكامله فوق السطح، لنرى أبعاده وملامحه ومعالمه في النور!

وإلى أن يأتي هذا اليوم، لا يمكن أن نتغاضى عن حقيقة ماثلة، هي أن شخصا واحدا، بل وحيدا، من أعضاء المجلس العسكري، قد استبقاه الرئيس مرسي، بجوار وزير الدفاع الجديد الفريق أول عبد الفتاح السيسي.. هذا الشخص هو اللواء محمد العصار الذي صدر قرار بتعيينه مساعدا لوزير الدفاع الجديد.. وسوف لا نستغرب حين نعلم، أن اللواء العصار هو مسؤول ملف التسليح في المجلس العسكري القديم، ثم إنه، وهذا هو الأهم، مسؤول التفاوض مع الأميركان، حول هذا الملف!

لماذا بقي وحده، ولماذا ذهبوا كلهم إلا هذا الرجل؟! إنه سؤال في حاجة إلي إجابة شافية، خاصة أنه الوحيد أيضا، الذي تكلم بعد القرارات، وصرح بأنها جاءت بعد تفاهم وتشاور، بين الرئيس والمجلس العسكري، وهو كلام لا بد أن يؤخذ بالطبع بتحفظ شديد.. إذ السؤال الذي سوف يقفز إلى الذهن، بمجرد قراءة مثل هذا التصريح على لسان اللواء العصار كالآتي: أي تفاهم، وأي تشاور تتحدث عنه يا رجل؟! ومنذ متى كانت إقالة خمسة من القادة بهذا الحجم، وعلى هذا المستوى، وبشكل مفاجئ تماما، تجري بتشاور بين الطرفين؟! وإذا كان التشاور قد جرى حقا، فلماذا قيل عند تشكيل حكومة هشام قنديل، قبلها بأسبوع، إن المشير طنطاوي باق في منصبه، وهو ما حدث فعلا، وأدى الرجل اليمين الدستورية وزيرا للدفاع في الحكومة الجديدة، فإذا به بعدها بساعات، خارج المنصب، مع جميع قيادات الجيش الكبرى تقريبا؟!

تقديري أن ما حدث من جانب السادات، في 51 مايو 1791 قد تكرر من جانب مرسي، في 21 أغسطس 2102، لأن كليهما اكتشف، في لحظة من اللحظات، أن مصر لا يمكن أن يكون لها رئيسان في وقت واحد، غير أن الأهم أن رصيد التجربة كان صفرا لدى خصوم الرئيس مرسي، إذا جاز تسميتهم بالخصوم، في هذا المقام.. إنهم قرأوا قطعا عما كان بين السادات وخصومه، في وقته، ولكنهم لم يستفيدوا مما قرأوه شيئا!