حيرة حلفاء دمشق!

TT

منذ اندلاع الأحداث في سوريا في مارس (آذار) 2011، تقدمت مجموعة من الدول لتعلن وقوفها إلى جانب السلطات السورية في موقفها من حركة الاحتجاج والتظاهر الشعبي، وكان الأبرز في هذه الدول كل من روسيا وإيران، ولكل منهما اعتبارات في موقفها، ولعل أهم هذه الاعتبارات يكمن في أن كلا منهما يرى أن علاقاته المباشرة مع سوريا تلبي مصالح مباشرة من خلال العلاقات الثنائية، إضافة إلى اعتبار أن سوريا تمثل بوابة مصالح كبرى له في الشرق الأوسط.

وترى طهران في النظام القائم حليفا جرى اختباره على مدار عقود في توازن العلاقات الإيرانية - العربية، ودمشق بالنسبة إلى طهران إضافة إلى ما تحمله العلاقات الثنائية من قيمة ومكاسب، فإنها توفر لإيران منفذا عبر العراق إلى البحر المتوسط، وتشكل صلة وصل مع حزب الله في لبنان، ونقطة تماس مع القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، وكلها نقاط مفصلية في استراتيجية طهران بالمنطقة القائمة على تعزيز حضورها وتقوية نفوذها في المنطقة وعبرهما المشاركة في تقرير مستقبل المنطقة وعلاقاتها الدولية.

بينما تبدو الصورة مختلفة قليلا بالنسبة إلى روسيا، التي تشكل سوريا في استراتيجيتها الشرق أوسطية أساسا لإحياء نفوذ موسكو في المنطقة، وهي التي فقدت تباعا مراكزها التقليدية وخاصة بعد سقوط نظامي صدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا، كما أن موسكو لها مصالح مباشرة في سوريا، ترغب في الحفاظ عليها وتعزيزها، والأبرز فيها أربع نقاط؛ أولها وجود روسي متعدد الوظائف والامتدادات، يقوم على وجود نحو خمسين ألف حالة زواج روسي - سوري معظم أصحابها حاضرون في صفوف النخبة السورية، والثاني شبكة من العلاقات مع سوريين درسوا وتلقوا تعليما وتدريبا متنوعا في مؤسسات روسية، والثالث حضور روسي عسكري واستخباري، توفره قاعدة طرطوس البحرية، ومحطة تنصت موجودة في مدينة كسب شمال غربي سورية، والرابع، سوق سلاح ومعدات وخبرات روسية، يتواصل بيعها إلى سوريا.

لقد دفعت المصالح الإيرانية والروسية، ليكون البلدان في مقدمة حلفاء نظام دمشق، وسنده الرئيسي في مواجهة ما حملته ثورة السوريين عليه من تحديات، وما رافق الثورة من تداعيات إقليمية ودولية، وهو ما دفع الطرفان إلى تقديم كل دعم ممكن لبقاء النظام وتمكينه للذهاب في طريق القضاء على المعارضة وحركة الاحتجاج والتظاهر، والتي جاء في سياقها، تأمين كل أشكال الدعم السياسي والإعلامي والاقتصادي والعسكري - الأمني بما فيه منع المجتمع الدولي من الذهاب إلى قرارات وعقوبات في مجلس الأمن الدولي تحت البند السابع، وتقديم مساعدات عسكرية وخبرات أمنية بما فيها إرسال قوات إلى سوريا للقيام بمهمات خاصة، والأهم مما سبق كان قيام الحليفين بتوفير وقت للجهود العسكرية - الأمنية للقضاء على المعارضة وحركة الاحتجاجات عبر مبادرات وخطط إقليمية ودولية، كان من الواضح أن لا آفاق واقعية لنجاحها بسبب عدم انسجامها مع توجهات النظام ورؤيته لمعالجة الوضع في سوريا على نحو ما كانت خطة كوفي أنان، كما سعت كل من موسكو وطهران إلى جلب المعارضة السياسية السورية إلى طاولة الحوار مع النظام على شروط الأخير ودون أي التزامات من جانب السلطات السورية.

وسط تلك المعطيات وفي ظل الجهود الدولية والإقليمية الضاغطة على الرغم من ضعفها لمعالجة الوضع السوري الذي تزايدت فاتورته البشرية والمادية في الأشهر الأخيرة، وفي ظل الضغوط الداخلية الروسية والإيرانية للحفاظ على مصالح البلدين من وجهة نظر أخرى، فإن البلدين وقعا في حيرة بين استمرار موقفهما المعروف من الأزمة وضرورة الذهاب إلى موقف آخر، يحمل تبدلا جزئيا أو كليا حيال الوضع السوري.

وخيارات موسكو وطهران في الموضوع السوري تبدو محدودة. إذ من الصعب الحفاظ على الموقف الحالي لكليهما، وهو موقف ثبت أنه غير ذي جدوى في الإبقاء على نظام جعل السياسة خارج خياراته، كما أن من الصعب القيام بانقلاب كلي في الموقف الروسي والإيراني بسبب طبيعة مصالحهما في سوريا والمنطقة، الأمر الذي يدفع للبحث عن حل وسط، يضمن أمرين أساسيين؛ أولهما الحفاظ على مصالح روسيا وإيران في سوريا وعبرها في المنطقة، والثاني إحداث تغيير في طبيعة النظام السوري، غير أن ثمة شكوكا تحيط بالخيار الوسط هذا بعد كل ما تسببت فيه سياسات روسيا وإيران من نتائج كارثية على سوريا والسوريين في فترة الأزمة، والتي كان من نتائجها تعميم حس شديد العدائية حيالهما من جانب أغلبية السوريين، وهذا يزيد من حيرة الطرفين في رحلة البحث عن مخرج يحفظ مصالحهما في حال سقوط النظام، ولا يكون مثاله ما حدث لهما في ليبيا.