البيان المشترك لحسن الأمين وهاني فحص

TT

أصدر اثنان من كبار مراجع الشيعة في لبنان، السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص، بيانا مشتركا يوم الخميس، 8 أغسطس (آب)، عبرا فيه عن تأييدهما للثورة السورية، مطالبين شيعة لبنان والمفكرين العرب وعلماء المسلمين بدعم ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد. ويمثل هذا البيان المشترك، بحسب معرفتي بالمجتمع الشيعي، نقطة تحول في الثورة ضد النظام المستبد في سوريا، لأن كل الدلائل قبيل نشر هذا البيان كانت تشير إلى أن كل طوائف الشيعة تدعم نظام الأسد.

وبعبارة أخرى، يروق لبعض المحللين تفسير الثورة السورية بأنها ليست سوى صراع سني - شيعي، لكننا يمكننا الآن القول إن هناك وجهتي نظر مختلفين تماما لتفسير الأزمة الحالية في سوريا، الأولى تدعم الحكومة والأخرى صاغتها النخبة التي تدعم الشعب السوري، ولكل جانب تفسيره المختلف، وهو ما يعبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: «قل كل يعمل على شاكلته» (الإسراء: 48).

هنا يبرز سؤال مهم للغاية: لماذا وقع أمين وفحص هذا البيان؟ وما سر الهدوء الذي يتمتع به آية الله العظمى في طهران؟ وما هو وجه الاختلاف بين الأمين وفحص والآخرين؟ يتمثل الفارق بجلاء في عقلية فحص والأمين التي تؤمن بالإنسان وحقه في الحياة، في الوقت الذي يبرر فيه الآخرون الموبقات، معتقدين أن القوة يجب أن تبقى مصونة مهما كانت التكاليف.

وقد اتصلت بالسيد هاني فحص وقلت له إن بيانكما المشترك «صدر من أهله ووقع في مكانه». لم تكن تلك مجاملة ودية، بل كانت جانبا من الحقيقة، لأن السيد هاني فحص، والسيد حسن الأمين، من وجهة نظري، أصابا جوهر رسالة الإسلام. فأسس الإسلام تقوم على احترام حقوق الإنسان والحرية. ولعل العنصر الثالث والأكثر أهمية هو اللغة والأدب، واللذان أعني بهما القصيدة، ففحص والأمين كلاهما شاعر. وكيف يمكنني أن أنسى قصيدة «ورد» لحسن الأمين، التي ألقاها في بيت التويجري في الرياض والتي حضرها نخبة من الشعراء والمفكرين والباحثين؟ الآن يبدو لي أن بشار الأسد هو ديك الجن في العصر الحديث وسوريا كدولة هي «ورد»، تطل على نهر العاصي وحلب وإدلب ودرعا إلخ.. قتل ديك الجن وأحرق جثة محبوبته ورد، والأسد قتل شعبه وقصف المدن. ويبدو لي أن نهر العاصي يحمل الكثير من أوجه الشبه مع أجزاء من التاريخ في سوريا..

«ومن دمكِ المطلول ظلت شقائق

على ضفة العاصي يموجها النهر

بنا شهوة للحب والإثم كلما

خبت في رماد العمر جد لها جمر

فكل نساء الأرض ورد وكلنا

من الديك جن عاشق دأبه الغدر»..

قلت إن كلا المفكرين الشيعيين يهتم بشكل خاص بالحرية. فمحمد حسن الأمين صاحب تفسير عبقري للاختلاف بين الاستبداد والحرية. وفي مقابلته مع أحمد علي الزين في برنامج «روافد» على قناة «العربية»، وجدت واحدا من أفضل الاقتباسات التي يمكن أن تقع عليها عيناي عن الحرية.

أحمد علي الزين: «سماحة السيد.. في النهاية بس بدي أردد قولا تقوله أنت دائما: سيئات الحرية أفضل من حسنات الاستبداد»..

السيد محمد حسن الأمين: «خيرٌ من حسنات الاستبداد»..

أحمد علي الزين: «خيرٌ من حسنات الاستبداد، يعني رهانك دائما هو على الحرية في تغيير العالم وفي جعل صورته أجمل»..

السيد محمد حسن الأمين: «وهذا ليس قولا شعريا لأنني أعتقد أن سيئات الحرية هي شأن عارض وعابر وبالتالي نستطيع بالحرية نفسها أن نقاوم سيئاتها»..

بناء على هذا الرؤية والتفسير العبقري، نشر الأمين وفحص، بعد خمسين عاما من الصداقة وتقاسم الكثير من الأرضيات المشتركة كمفكرين إسلاميين ورجلي دين وشاعرين وناقدين، بيانهما المشترك. وأود هنا أن أركز على ثلاث فقرات مهمة في البيان المشترك:

1 - إننا نناصر هذه الثورة كما ناصرنا الثورة الفلسطينية والإيرانية والليبية وباقي الثورات والحركات المطالبة بالإصلاح في كل الدول العربية.

2 - إن هذا الموقف يأتي انسجاما مع مكوناتنا الإيمانية والعربية والإسلامية ومع خصوصيتنا الشيعية التي لا تناسبها مجافاة روحية الإسلام الوحدوية وحرصنا على الدور الشيعي التنويري العربي.

3 - إن هذا الموقف هو وقوف إلى جانب المقاومين للاحتلال الصهيوني وضد من استخدموا فلسطين والعروبة والممانعة ضد شعوبهم فقط.

إصدار مثل هذا البيان سيضعهما من دون شك في مأزق خطير في لبنان. فلا يمكن أن ننسى الهجوم الذي تعرضت له عائلة هاني فحص والدمار الذي لحق بمنزله ومكتبه قبل عدة سنوات. والأدلة التالية توضح سبب إصرار فحص على دعم الحرية الإنسانية على الرغم من كل المشكلات التي عاناها:

«بيان صادر عن الحركة الثقافية - أنطلياس

تستنكر الحركة الثقافية – أنطلياس أشد الاستنكار الاعتداء الآثم على منزل العلامة السيد هاني فحص، لأنه اعتداء على حرمة المنزل وعلى الفكر الحر، ويشكل استباحة لكل المحرمات واغتصابا لأبسط حقوق المواطن، ويتطلب بإصرار تحرّك النيابة العامة والأجهزة الأمنية المختصة لإيقاف المعتدين وإحالتهم إلى المحاكمة لإنزال أشد العقوبات بهم.

وأن الحركة الثقافية – أنطلياس، التي كان لها شرف تكريم العلامة السيد هاني فحص عَلما من أعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي في مارس (آذار) 2004، إذ تعلن تضامنها مع سماحة السيد ومع عائلته، فإنها تهيب بكل مؤسسات المجتمع المدني وعلى الأخص المؤسسات الثقافية والإعلامية والحقوقية أن ترفع الصوت عاليا لحماية الفكر الحر ومجابهة استباحة حقوق المواطن ووضع حد للتصرفات الميليشيوية التي ما زال البعض يمارسها من دون حسيب أو رقيب».

كان ذلك هو الثمن الذي دفعه لاستقلاليته ودعمه للحرية. والبيان الأخير إشارة أخرى تؤكد على أنه لا يزال هناك بعض علماء الشيعة الأفذاذ المعروفون الذين يدعمون الشعب السوري والذين لا يخافون لومة لائم.