بطل الشرفة

TT

يخرج «أبطال» اليوم من طيات الإنترنت؛ من أجل أن يحارب أميركا صعد فيديل كاسترو إلى جبال سييرا، نيفادا، وذهب تشي غيفارا إلى أدغال بوليفيا، أما جوليان أسانج فاخترق أسرار الدبلوماسية الأميركية من خلال الإنترنت، وبعد ظهر الأحد وقف جوليان أسانج على شرفة سفارة صغيرة (الشرفة والسفارة) يقول لباراك أوباما: كف عن ملاحقتي.

يفترض أن يكون أوباما هو من يطلب ذلك من صاحب «ويكيليكس»، كاشف الوثائق وفضاح الأسرار، لكن الأسترالي الغامض قرأ بيانه كأنه زعيم سياسي، والحقيقة أنه يبني على كره الناس لأميركا لا أكثر، أما «الوثائق» فإنها لم تفضح أميركا، بل فضحت ذلك الصنف من السياسيين الذي يعارضها في العلن، ويطلب مساندتها في اللقاءات مع دبلوماسييها.

آلاف «الوثائق» لم تكشف أي شيء أساسيا في الاستراتيجية الأميركية، لكنها هزت الخارجية كما هزتها في الستينات «أوراق البنتاغون» عن حرب فيتنام، والأهم من ذلك شعور دولة مثل الولايات المتحدة بأنها غير قادرة على حماية أسرارها من أسترالي مجهول، يؤيده بعض «المنشقين» من الفنانين والكتاب.

هذه هي «الأضرار الجانبية» للإنترنت، التي لعبت الدور الأول في الحركات العربية. لفترة طويلة ارتبطت 25 يناير (كانون الثاني) في مصر باسم وكيل «غوغل» في البلد، شاب مجهول صار شهيرا ثم طويت شهرته من جديد، عندما انتقلت 25 يناير من مرحلة الـ«فيس بوك» إلى مرحلة الحلول مكان 23 يوليو (تموز).

كان الذين يحيون الثورات الشعراء والخطباء، لكن وائل غنيم لم يكن شاعرا ولا خطيبا، وجوليان أسانج قرأ من نص مكتوب على ورقة، وهذا هو يا مولاي هذا العالم: دولة الإكوادور تمثل الحرية، ودولة «الماغنا كارتا»، أول بيان حرية فردية في التاريخ، أي بريطانيا، تطارد هذا المخرب الذي عكر خاطر الدول الكبرى كما يعكر ذكر البط الهائج سطح البحيرة الهادئ.

هل عمل أسانج أخلاقي؟ لا، تقضي التقاليد بألا تفرج الدول عن «وثائقها» إلا بعد مرور ثلاثين عاما، لكي لا يتأذى كثيرون، وتعطى هذه الفرصة لأن صاحب «الوثيقة» قد يكتشف أنه أخطأ، فيعيد النظر فيها، أو تكتشف الدولة المعنية أن الدبلوماسي المكلف كان عميلا مزدوجا أو سكيرا غير مسؤول، أو كسولا يفبرك الافتراءات.

أسانج خرق هذا التقليد من دون الالتفات إلى شيء، أو أخذ أي ضابط أخلاقي في الاعتبار، لكن هذا هو عالم اليوم: أسترالي يعطي بريطانيا درسا في الحرية من سفارة الإكوادور.