المنبر والسياسة

TT

ظاهرة تحول خطباء منابر المساجد، يوم الجمعة وفي الأعياد، إلى خطباء سياسيين ليست جديدة في التاريخ المصري، كما أن ظاهرة استخدام منبر المسجد من قبل السياسيين ليست جديدة أيضا، فهي جزء من وعي الساسة بأهمية الدين في حياة الناس، وقدرة المنبر على التأثير فيهم، وتوجيه الرسائل إليهم، ولعل أشهرها خطاب عبد الناصر من منبر الجامع الأزهر في 1956 الذي توعد فيه بالقتال بـ«النبابيت» (العصي) في مواجهة الهجوم العسكري المشترك الفرنسي - البريطاني - الإسرائيلي بعد تأميم قناة السويس.

لذلك كان جزء من الجهد الذي تبذله كل الأنظمة هو محاولة السيطرة على هذه المنابر، سواء بالتعيينات، أو تنظيمها، أو توجيه خطباء الجمعة إلى الخطوط العريضة للخطب التي ينبغي أن يلقوها، ولم يمنع ذلك من تسلل شخصيات غير مرغوب فيها، أو ظهور خطاب ديني مخالف لخطاب الدولة وتوجهها، مثلما حدث في بعض المساجد التي سيطر عليها شيوخ الجماعات السلفية في فترتي مبارك والسادات في مصر، أو ظهور دعاة معارضين.

وفسر مفكرون الظاهرة؛ بأنه في ظل انسداد القنوات الأخرى السياسية، مثل الأحزاب أو الجماعات السياسية والأشكال الأخرى التقليدية، فإن منبر المسجد حل محلها، خاصة بالنسبة إلى تيار الإسلام السياسي، في سعيه إلى السلطة، بينما كان يواجه سياسيا ضغطا أمنيا، أما الجماعات الأخرى، خاصة الشبابية، فقد وجدت في مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت فضاء كان بديلا عن الجامعات والعمل السياسي العام في تبادل الأفكار وتنظيم نفسها بالطريقة التي رأيناها في 25 يناير (كانون الثاني) في مصر.

وقد جاء أول عيد فطر بعد انتخابات الرئاسة المصرية التي فاز بها الرئيس مرسي الصاعد من صفوف «الإخوان» لتشهد منابر المساجد تكثيفا أكبر في الاستخدام السياسي من قبل الفصيلين الرئيسيين لتيار الإسلام السياسي، «الإخوان» والجماعات السلفية، في مواجهة الدعوات الصادرة لمظاهرات ضد «الإخوان» يوم 24 أغسطس (آب) الحالي، وهي دعوة ليس واضحا مدى جديتها، أو قدرتها على تحريك الشارع، خاصة إذا ارتبط ذلك بالعنف، وإن كان حجم رد الفعل المحذر منها يثير الحيرة هو أيضا.

الطريف أن رسالة كثير من المنابر في عيد الفطر لم تختلف كثيرا عن السابق، والكثير منها يحذر من الخروج على ولي الأمر، ويدعو إلى طاعته والالتفاف حوله، وهو نفس الخطاب السابق خلال العقود الماضية، بينما استغل المنبر آخرون ليهاجموا المعارضين السياسيين من خلال خطاب ديني، وقبلها سبق أن صدرت فتاوى فيها تكفير لمعارضين.

والحقيقة أنه لا أحد ينكر أهمية المنبر ودوره المجتمعي، لكن كثرة الاستغلال السياسي له يضعه في مواجهة قضايا سياسية خلافية المفترض أن يكون مجال الأخذ والرد فيها هو القنوات السياسية العادية، مثل الأحزاب والمؤتمرات السياسية والإعلام والمجالس المنتخبة، وإلا لتحول المنبر إلى حزب سياسي في مواجهة أحزاب وتيارات وجماعات سياسية أخرى، وحتى دينية.