التغريد تحت (دش) الماء الساخن

TT

لم أحاول أن أفتح لي حسابا في (تويتر)، رغم أن هوايتي هي التغريد وحيدا، وبالذات عندما أكون تحت (دش) الماء الساخن.

وما أكثر المغرّدين والمغرّدات، والناعقين والناعقات في هذا (التويتر)، خصوصا من أصحاب الأسماء اللامعة من بعض المشايخ الأجلاء، الذين يكون تغريدهم في العادة باللغة الفصحى المقعرة، وكلما دخلت على مواقعهم، تخيلتهم من عصافير الجنة؛ مع وقف التنفيذ.

وأصبت بالهلع مرتين؛ الأولى: عندما قرأت مفاخراتهم بالأرقام المهولة لمتابعيهم الذين يعدون بالملايين، أما الهلع الثاني: فهو ذلك (الريبورتاج) الذي اطلعت عليه في إحدى الصحف المحترمة، والذي وثقته بمصادر أجنبية، وبتوثيقات ميدانية، واتضح لي أن مضمار (تويتر) ما هو إلا (شوربة ماصخة)، يبرطع فيها كل جهول وكل مريض نرجسي مصاب بداء حب الشهرة، وأن ذلك الميدان ما هو إلا (سوق نخاسة) ساذج يخضع للبيع والشراء و(الضحك على الذقون) وغير الذقون.

والمسألة وما فيها هي: (ادفع تجد ما يسرك)، فالريال الواحد يأتي لك بخمسين متتبعا، ولكي يثبت أحد الأشخاص مدى صدقه أمام المحرر، قال له: إن المتتبعين لي الآن هم في حدود (600)، فانظر ماذا سوف يحصل بعد ساعات؟ وحول (لجهة ما) ألف ريال، وإذا بمتتبعيه يقفزون بقدرة قادر إلى (50) ألفا، ولو أنه حول لهم عشرة آلاف لوصل العدد إلى خمسمائة ألف متابع، وعليكم الحساب.

أفهم أن يغش من هو مثلي في هذا المجال، لأن هوايتي وأسلوبي هو اللعب والتسلية والمزاح، ولكن ما حكم من يغش في ذلك من بعض المشايخ الأجلاء، الذين لا يطيقون اللعب أو التسلية أو المزاح؟!

فهل عليهم إثم وذنب لو أنهم فعلوا ذلك؟! أعرف أن الله غفور رحيم، ولكنني فقط أتساءل.

* * *

في إحدى المناسبات التي حضرتها، كان هناك شيخ لطيف يتصدر المجلس مع كبار القوم، وأخذ مبادرة الحديث وأسهب في النصائح وضرب الأمثال والعبر، والحق يقال؛ إنه كان متمكنا مما يقوله، ولا يشوب كلامه أي شائبة غير التطويل، خصوصا أن الجميع ينتظرون العشاء بفارغ الصبر، والمثل يقول: (مقابل الجيش ولا مقابل العيش).

ولاحظ هو بفطنته وعينه الذكية، أن الأغلبية بدأوا ينصرفون عن كلامه (بالهواجيس) ولا يركزون، فما كان منه إلا أن يحرف دفة حديثه 180 درجة، وذلك عندما قال:

هل تعلمون أنني في الليلة البارحة عبطت امرأة متزوجة من رجل آخر وضممتها بين يدي ووضعتها على صدري وأخذت أقبلها؟! وما إن سمعت أنا ذلك حتى طار الملل والنعاس والجوع مني دفعة واحدة، وفتحت فمي وأذني منتظرا إكماله حديثه الشيق، فيما سرت بعض الهمهمات من الحضور وعادوا له يستمعون ويركزون.

وقبل أن (أتلقف) وأسأله عن اسم وصفة وعنوان تلك المرأة، إذا به يوجه لنا جميعا ضربة قاضية عندما قال: إن تلك المرأة هي أمي العزيزة.

وبعد أن تأكد أنه استعاد زمام المبادرة بإصغائنا له، عاد إلى نصائحه وأمثاله وعبره. ولا شك أن ذلك الشيخ كان شيخا فكها و(مودرن)، ويفهم في علم النفس، وما أحوجنا لأمثاله.

* * *

هل صحيح أن نفاد الصبر يتحول إلى فضيلة، حين تمارسه على نفسك؟!

[email protected]