الرجل الذي لمح إلى الديكتاتور بالإمبراطور

TT

معروف أن الديكتاتور يخشى التلميح أكثر من التصريح. لماذا؟ لأنه يعرف أن أحدا لا يجرؤ على الكتابة المباشرة. لا يذهب مخبروه إلى الساحات بل إلى الأزقة الصغيرة ويتسرقون تحت النوافذ. كان «أعظم صحافيي القرن العشرين» رزارد كابوشنسكي يتحايل على ديكتاتورية ادغار غيريك بالكتابة عن هيلا سيلاسي، تحفته، التي ظهرت أول الأمر على شكل مسلسل في صحيفة «كونتوار».

في «الإمبراطور» كان يسخر من هيلا سيلاسي الذي شرع في إصلاحات اقتصادية رافضا أن يرفق ذلك بأي إصلاح سياسي. وأدرك كل بولندي أنه يتحدث عن غيريك، لا عن سيلاسي، عندما قال إن «الإمبراطور يمنح المقابلات وفقا لولاء طالبيها وليس وفقا لكفاءاتهم».

صدرت الآن أول ترجمة إلى الإنجليزية لأول سيرة عن المراسل البولندي الفقير الذي كان زملاؤه الغربيون يتحننون عليه بنقله معهم في آخر الباص أو آخر الطائرة المزدحمة. وبعض الغربيين كان يتحاشاه أيضا، فهو ليس سوى شيوعي آخر من أوروبا الشرقية: حزبي ومتحيز.

لكن العالم اكتشف فيما بعد أن الرجل الفقير، المحب للكتابة والعلاقات القصيرة مع النساء، قد أرسى مدرسة جديدة في الصحافة. ولحزنه اكتشف أيضا أنها مدرسة لا تعلم. من الصعب تخرج كابوشنسكي آخر. من أين تأتي للمقلد بموضوع مثل شاه إيران أو إمبراطور إثيوبيا؟ من أين تأتي بحكايات أفريقيا وحرب أنغولا؟ أي حظ سوف يمنح المراسل حربا طاحنة بين دولتين من أجل مباراة في كرة القدم، كما تأتى له في هندوراس؟

لكن كابوشنسكي لم يكن مجرد مراسل. ربما لم يكن هو أيضا يعرف ذلك يومها. إنه خليط من مراسل دؤوب شجاع فقير ومحتال جميل يعرف كيف يضيف إلى الأحداث رشة من البهار والكثير من ماء الزهر. شاعر أو أديب لم يستطع التفرغ للترحال فعثر على السفر الصحافي. لكن ببراعة مذهلة حوله إلى أدب رحلات. لم يقلل من عزمه أو حماسه أنه يكتب إلى صحف محدودة أو إلى وكالة الأنباء البولندية الرسمية الغارقة في التعابير الحزبية الجافة والبالية والخالية من أي عافية أو جهد.

ظن أنه سوف ينسى ذات يوم ويتقاعد في مقاهي وارسو مع صحافيي الحزب. لكن الشهرة قفزت إليه من فوق «الستار الحديدي» ومن ثقوبه. لم يتحول فقط إلى مدرسة بل أيضا إلى موضوع معقد يتدارسه أساتذة الصحافة والأدب معا. سيرة كابوشنسكي ملونة ومثيرة. تُقرأ، مثل أعماله، كرواية خيالية أو كحياة رجل عادي، خرج إلى مهنة أحبها، ولم يعد رجلا عاديا على الإطلاق.