القدرة والتحمل

TT

يقول أهل البادية في الجزيرة العربية: (الخيل عز للرجال وهيبة)، وذلك كناية عن تعلقهم وافتخارهم بها، ولا شك أن الخيل العربية الصحراوية، هي أجمل خيول العالم وأذكاها وأشجعها وأقدرها على تحمل الجوع والعطش والتعب.

ورغم صغر حجمها نسبيا مقارنة بخيول أوروبا مثلا، فإنها بزتها وتفوقت عليها في ميادين الحروب قديما، ولهذا فطنت الشعوب الأوروبية لذلك منذ الفتوحات العربية الإسلامية، واستطاعوا أن يلقحوا خيولهم منها، ونتج عن ذلك صنفا هجينا يحمل صفات السرعة والقوة معا.

والعالم الجديد في الأميركتين لم يعرف الخيل على الإطلاق، وأول ما أتت الخيل إلى هناك جاءت مع الإسبان المهاجرين والفاتحين، وكلها كانت تجري في عروقها دماء الخيل العربية.

واليوم تنتشر في كثير من دول العالم سباقات (القدرة والتحمل) للخيل، إلى جانب سباقات السرعة، وأول من بدأ هذه الفكرة صحافي مغمور في ولاية (نبراسكا) بأميركا، كتبه في عمود يقترح فيه سباقا للجياد مسافته (ألف ميل)، وتحمست بعض الشركات لهذا الاقتراح ووضعت جوائز ثمينة للفائز.

وانتهى الأمر على اختيار تسعة من الرجال مع أفراسهم، وانطلقوا في صباح أحد الأيام من عام 1893، بعد حفلة موسيقية وحشد كبير من المتفرجين والمراهنين.

وكلما مر أحدهم بإحدى القرى أو المقاهي أخذ الناس يهتفون له ويضيفونه هو وحصانه، بل إن بعض الفتيات كن يطوقن عنق الحصان بباقات الزهور، وبعضهن ينتفن بعض الشعرات من ذيله والاحتفاظ بها كتذكار.

وواجهتهم في مسيرتهم أو سباقهم مصاعب جمة من أمطار ووحول وجبال ووديان إلى درجة أن بعض الخيل قد تحطمت حدواتها وبدأت تعرج وخرجت من السباق قسرا.

وكان (جليسبي) أغبى المتسابقين ويلقبونه (بالحية ذات الأجراس)، وكان مولعا طوال السباق بتعاطي (الويسكي) - وهو نوع من الشراب المسكر - وخطر على باله أنه لو أعطى حصانه منه، سوف يكون حافزا له على الإسراع أكثر، عندها ما كان منه إلا أن يفرغ في حلق الحصان زجاجة كاملة منه، عندها سكر الحصان وانطلق فعلا بسرعة هائلة جعلته يتجاوز الجميع، ولكنه حاد عن الطريق ولم يستطع صاحبه السيطرة عليه أو كبح جماحه، وفجأة إذا به يتعثر ويقع في حفرة عميقة، وتتكسر قوادمه الأربعة، ويدق عنق صاحبه الذي كان هو الضحية الوحيدة من بين المتسابقين، وهذا يثبت أن المسكر ليس شرا على الإنسان فقط ولكنه شر على الحيوان أيضا.

ومدينة (شيكاغو) كانت هي نهاية السباق واحتشدت الجماهير تهتف (لبيري) الفائز، الذي شق صفوفهم بحصانه المتبختر، بعد أن قطع (1665) كيلومترا، في 13 يوما، و16 ساعة، بمعدل 120 كيلومترا في اليوم الواحد.

أتمنى أن أخوض يوما مسابقة (للقدرة والتحمل)، ولكن ليس شرطا أن تكون بواسطة الخيل.

[email protected]