مهمة المنشق السوري

TT

يرى أبرز منشق عسكري سوري أن مفتاح التحول السياسي في سوريا يكمن في توفير «شبكة أمان» لإقناع العلويين بأنهم لن يتعرضوا لمذابح إذا ما قرروا الانفصال عن الرئيس بشار الأسد.

وقال العميد السوري مناف طلاس، الذي انشق عن الجيش السوري في شهر يوليو (تموز) الماضي: «يتمثل عملي الرئيسي في إقناع العلويين بأنه لا يتعين عليهم الانتحار مع النظام». وأدلى طلاس بهذه التصريحات يوم الثلاثاء الماضي من فرنسا التي لجأ إليها عقب انشقاقه. وتعد هذه أول مقابلة شخصية مفصلة معه منذ انشقاقه عن نظام الأسد الذي كان صديقا مقربا له في الماضي.

وأضاف طلاس أنه لن تكون هناك عملية تحول سياسي من دون وجود جسر من الثقة بين الجيش السوري الحر وأعضاء المصالحة من الجيش النظامي والذين أبدوا استعدادهم للانشقاق عن الأسد كما فعل طلاس، مشيرا إلى أنه من دون وجود مثل هذه الثقة ستؤدي الإطاحة بالأسد إلى انزلاق البلاد إلى حالة من العنف الفوضوي، فضلا عن احتمال سقوط الأسلحة الكيماوية في الأيدي الخاطئة.

وأضاف طلاس: «الكثير من العلويين ليسوا سعداء اليوم بما يحدث على الأرض، ولكن أين الأمان بالنسبة لهم؟ العلويون بحاجة إلى معرفة أن هناك جهة قوية تضمن سلامتهم في حالة انشقاقهم عن النظام».

وعلى الرغم من أن طلاس ينتمي للطائفة السنية، فإنه كان يقود وحدة من الحرس الجمهوري الخاص، التي يشكل العلويون – وهم من الأقلية العرقية التي ينتمي إليها الأسد ودائرته الداخلية - ما يقرب من 80 في المائة منها.

وتحدث طلاس (49 عاما) بشكل مؤثر عن انشقاقه عن الأسد، الذي، حسب تصريحاته، أصبحت يده ملوثة بدماء الشعب السوري ولن يكون قادرا على حكم سوريا مرة أخرى على نحو فعال. وفي ربيع عام 2011، خرج المحتجون بأعداد كبيرة وعرض طلاس عقد لقاء مع المتظاهرين، وأخبر الأسد عن عقد اللقاء في شهر أبريل (نيسان) الماضي في داريا مع المتظاهرين الشباب الذين التزم آباؤهم الصمت ولكنهم كانوا فخورين بثورة أبنائهم. وحذر طلاس قائلا: «هذه ثورة الآباء من خلال أبنائهم»، مشيرا إلى أنه من المستحيل أن يتم وضع حد لهذا الصراع من خلال القوة.

وكان الأسد شخصية متقلبة وغير جديرة بالثقة وتميل بشكل متزايد إلى تبني الاتجاه المتشدد لعائلته، ولا سيما شقيقه ماهر الأسد وابن خاله حافظ مخلوف، الذي يترأس فرع التحقيق في المخابرات العامة السورية. وكان مخلوف قد قال لطلاس: «إذا ما فرضت القوة سوف يخاف الناس ويتراجعون».

ويقول طلاس إنه في مايو (أيار) 2011، تم تجاهل نصيحته بالتواصل وألقي القبض على من يجري اتصالات معهم بعد لقائه بهم. كان ذلك هو الحال حتى في الرستن، المدينة الواقعة وسط سوريا، حيث ولد أبوه. وبعد أن حاول طلاس إرساء السلام هناك، وبخه مخلوف. بعد ذلك، توقف طلاس عن قيادة وحدته في الجيش.

بدأ طلاس ابتعاده عن النظام في يوليو 2011، وذلك عندما استدعاه الأسد وسأله عن سبب عدم قيادته لقواته, فأجابه طلاس بأن بشار نفسه ورجاله لم يكونوا صادقين بشأن التسوية التي بدأها. وأضاف: «أنتم تصنعون مني كاذبا. أنتم وسوريا تنتحرون». فرد الأسد بأن كلامه هذا «مبالغ فيه» وأنه سيتحول إلى «الخيار الأمني».

«أنت تحمل عبئا ثقيلا على كاهلك - وإذا ما أردت الطيران، عليك إسقاط ذلك الحمل»، هذا ما يقول طلاس إنه أخبر به الأسد في ذلك الاجتماع الأخير. وأضاف: «لكن يبدو أن الحمل الثقيل - الأسرة والحلقة المقربة - قد انتصر».

يقول طلاس إنه ظن في البداية أن بإمكانه البقاء في دمشق، في حالة معارضة صامتة للسياسات المتعسفة. لكن مع تصاعد العنف ليصل إلى حد مذبحة تشمل مختلف أنحاء الدولة، يقول: «لم يستطع ضميري تحمل ذلك الوضع». بدأ التفكير في نهاية العام الماضي بشأن كيفية الهروب.

لا يزال الجنرال السابق يملك المظهر القاسي الذي جعل منه قائدا عسكريا صاحب شخصية ساحرة، الأمر الذي أدى بالبعض إلى التكهن بأنه ربما يلعب دورا في المرحلة الانتقالية في سوريا. غير أن طلاس يقول إنه لا يرغب في شغل أي منصب في حكومة مستقبلية وإن تركيزه منصب فقط على «خارطة الطريق» التي وضعها لتجنب النزاع الطائفي. ربما يكون من الحكمة بحيث يتخلى عن طموحه السياسي، إذ إن ثروته ونمط حياته العلماني وخلفيته البارزة (شغل والده منصب وزير دفاع) تجعله هدفا لحركة معارضة إسلامية شعبية.

التقيت طلاس لأول مرة قبل ست سنوات في دمشق، الأمر الذي ربما يمثل أحد الأسباب وراء اتخاذه قراره بالحديث بصراحة وإجراء المقابلة. حينما سألته عما سيقوله للأسد إذا ما تسنى له أن يبعث إليه برسالة أخرى، غلبته العواطف للحظة وغادر الغرفة. وعند عودته، أجاب: «كيف يمكن لأحد الاعتقاد أنه يحمي دولته، في الوقت الذي تضرب فيه قواته الجوية ودباباته أرض بلاده؟».

* خدمة «واشنطن بوست»