الخارج عن الصف

TT

أشكر الأخ مرزوق عائض على ملاحظاته تلك، أولا قراءته لما أكتب، وثانيا على ملاحظته الذكية الجديرة بالاهتمام، وثالثا لأنه أتاح لي الفرصة ليس للدفاع عن نفسي، ولكن لتوضيح نقطة قد تكون غائبة عنه، وهي أنني منذ بداية كتاباتي في هذه المطبوعة في عام (2004) إن لم تخني الذاكرة، كنت قد عقدت العزم - بطوعي ودون أن يضرب على يدي أحد - أن أبتعد بقدر ما أستطيع عن الولوغ في متاهات السياسة، فيكفيني في هذه الناحية جهابذة المفكرين والمحللين والمنظرين والمتحمسين والوطنيين من مختلف المدارس والنحل، وما أكثرهم والحمد لله، والبلاد من هذه الناحية غير ناقصة، ولن يزيد في عطائهم أو فائدتهم قلم متواضع كقلمي.

هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنني فعلا مثلما تقول: أحوم كالصقر ولكن ليس الهياب مثلما تظن، فلم أكن في أي يوم من أيام حياتي هيابا أو خائفا أو جبانا لا سمح الله، ولكنني بالدرجة الأولى ولا شيء غيرها أحترم ذكاء القارئ جدا وأعتبره (لبيبا)، وأنت تعرف أن كل لبيب بالإشارة يفهم. لهذا كنت أجعله دائما شريكا معي في استنباط ما أريد أن أهدف إليه بطريقة غير مباشرة. كما أنني - لو أنك لاحظت - كثيرا ما كنت أضع من نفسي نموذجا صريحا وساخرا وناقدا لكل ما تحتويه شخصية الإنسان عموم، سواء من ضعف أو غباء أو ظلم أو تجبر أو طموح أو عذاب أو غرام أو صدمات أو حتى طلب للانعتاق والمغفرة، كنت دائما وأبدا في قلب العاصفة توجهني شمالا أو يمينا أو عاليا أو أسفل سافلين.

كما أنني أحاول أيضا - بقدر ما أستطيع - أن أبتعد عن (التقريرية) المباشرة، لأنني لست صحافيا أو معلقا أو مراسلا أو جامع أخبار، مع احترامي لكل من يقومون بهذه الأدوار التي لا غنى لأي صحيفة عنهم.

وإنني لا أتحداك، ولكنني أريد أن ألفت نظرك، بأنك لو تأملت واستعرضت فقط مقالاتي السابقة ولو لشهر واحد، وكلها على فكرة موجودة ومخزنة (في الإنترنت)، فسوف تجد في سياقها أو ثناياها شيئا من النقد المبطن، أو التهكم أو الصراخ أو الفجيعة أو الأسى أو الضحكات الباكية.

إنني يا أخي مرزوق لم أخلق لكي أكون كحمار الساقية يسير أو يتوقف كلما أشار له سيده بالعصا، ولكنني خلقت متجبرا حتى على نفسي، وتواقا للحرية أينما كانت حتى ولو في أبعد نجمة في أبعد مجرة من هذه الكون غير المحدود.

قد تبدو بعض مقالاتي (سفسطائية) مثلما يتهمني البعض، ولكنها سفسطائية متعمدة محببة إلى قلبي، وهذا هو ما أريده منها، بل إن هذه هي فلسفتي التي أردت بها أن أثير حفيظة الآخرين، فليس هناك أكثر بردا وسلاما على صدري من أن أعاكس الأكثرية الغائبة عن الوعي، إن رجعوا ذهبت، وإن توقفوا صعدت و(تشقلبت)، وإن اصطفوا خرجت عن الصف، وإن صفقوا ولولت، وإن أدوا التحية العسكرية ذهبت رأسا إلى (الديسكو).

هذه هي حياتي بشرها دون خيرها، فإن أردتموها كهذا فأهلا وسهلا، وإن لم، فعنكم ما أردتم، فليس هذا هو أكبر همي.