كتابة شهادة الوفاة بطريقة مفيدة

TT

إضافة إلى أهميتها القانونية ودواعيها النظامية، فإن شهادة الوفاة إحدى الوثائق المهمة من الناحية الطبية. وثمة إشكالية تعاني منها الأوساط الطبية في جميع أنحاء العالم إزاء موضوع كيفية كتابة محتويات شهادة الوفاة بطريقة صحيحة ومفيدة.

وللتوضيح، فحينما يُتوفى مريض ما في المستشفى مثلا، يُطلب من الطبيب المباشر لمعاينة المتوفى أن يتولى كتابة وثيقة شهادة الوفاة. وهذه الوثيقة تتضمن معلومات عدة تتعلق باسم المريض ورقمه الطبي في المستشفى ووقت ومكان الوفاة وغيرها من المعلومات التي توثق وفاة شخص بعينه في مكان محدد من المستشفى وفي الوقت الذي تم فيه من قبل الطبيب المعاين إعلان وفاة المريض كي يتم إنهاء الإجراءات المتبقية لإخراج المتوفى من المستشفى وإتمام باقي مراحل الجنازة والدفن، ولكي يتم لاحقا أيضا البدء في إنهاء الإجراءات القانونية المتعلقة بالإرث والورثة وغيرها من الجوانب المتعلقة بها.

إلى هنا، هذه المعلومات في الوثيقة تفيد في الجوانب القانونية عموما وفي جوانب طبية محددة. ولكن تظل هناك معلومات غاية في الحساسية والأهمية الطبية والقانونية أيضا؛ وهي المتعلقة بسبب الوفاة. وما يحدث في بعض الأحيان هو نوع من عدم الدقة في توثيق وكتابة أسباب أو سبب الوفاة. وأهمية دقة هذه المعلومات تتبع أمرين مهمين: الأول هو عملية مراجعة اللجان المختصة في المستشفى للظروف والملابسات والأحداث التي أدت إلى الوفاة وهو ما يعرف بـ«مراجعة الوفيات»، ومن ثم إعداد تقرير تقييم حول ما يمكن تفاديه في المستقبل لتقديم عناية أفضل بالمرضى، وما لا قدرة طبية لتفاديه من الأقدار المكتوبة.

والأمر الثاني هو المتعلق بتكوين معلومات مبنية على قاعدة بيانات دقيقة عن الأمراض الأكثر تسببا بالوفيات على المستوى الوطني والمستوى العالمي. ذلك أن التفكير المنطقي، في التخطيط الاستراتيجي السليم لتحسين مستوى الخدمات الصحية على كل المستويات، يفرض ضرورة الاهتمام بمعالجة ومكافحة الأمراض الأكثر تسببا في الوفيات، والأمراض الأكثر انتشارا، والأمراض الأكثر تسببا في الأضرار الاقتصادية والاجتماعية. وما لم تتم كتابة دقيقة لأساب الوفيات، فإننا لن نتمكن من إحصاء الأمراض الأكثر تسببا في الوفيات.

والمشكلة ليست هنا فقط؛ بل في تبسيط بعض الأطباء ذكر أسباب الوفاة، والبعض منهم لا يتوانى صراحة عن الاقتصار على ذكر «توقف القلب والتنفس» سببا للوفاة. ومعلوم بداهة أن أي إنسان لا يموت إلا إذا توقف قلبه وتنفسه عن العمل، والسؤال: ما الذي أدى إلى توقف القلب والتنفس؟

ومثالا على مدى انتشار هذا القصور العالمي لدى الأطباء في موضوع الكتابة الصحيحة والمفيدة لشهادة الوفاة، دعونا نعرض هذه الدراسة الطبية الحديثة الصادرة عن حال الأطباء بالولايات المتحدة في هذا الشأن، وليس أطباء إحدى الدول الأفريقية الفقيرة أو الدول الآسيوية النائية. وضمن عدد 26 يونيو (حزيران) من مجلة «مجمع طب الشيخوخة الأميركي» Journal of the American Geriatrics Society، نشر الباحثون من جامعة يال الأميركية نتائج متابعة مدة نحو 4 سنوات لنحو 23 ألف شخص مستفيد من الضمان الصحي. ولأن نظام الضمان الصحي يتطلب ذكر جميع الأمراض التي يعالج المريض منها، وجد الباحثون أن جملة متطلبات رعاية حالتهم الصحية توزعت على معالجة أنواع شتى من الأمراض بلغ مجموعها 97 مرضا. وبمراجعة أسباب الوفيات لنحو 2300 شخص منهم توفوا خلال تلك الفترة، تبين أن 15 مرضا كانت على رأس قائمة الأسباب لـ70% من حالات الوفيات.

وبالمقارنة بين أسباب الوفيات في هذا المصدر لمعرفة الإصابات المرضية لدى هؤلاء المتوفين، ومصدر آخر وهو إحصاءات «المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها» CDC، تبين أن ثمة اختلافا واضحا في المعلومات المتعلقة بأسباب الوفيات. وللعلم، تنتج الـ«CDC» معلوماتها السنوية القومية عن أسباب الوفيات بالولايات المتحدة من فقرة «أسباب الوفاة» المذكورة ضمن شهادات الوفاة US STANDARD CERTIFICATE OF DEATH. . والـ«CDC» لديها تعليمات واضحة وإلزامية للأطباء، تتبع فيها إرشادات منظمة الصحة العالمية World Health Organization guidelines، لكيفية كتابة قائمة أسباب الوفاة مع التركيز على «السبب الأهم» في حدوث الوفاة.

وعلى سبيل المثال، فقد شكل الخرف Dementia 13% من أسباب الوفاة لدى مصادر الضمان الصحي، بين شكل 3% فقط لدى مصادر الـ«CDC»، والسكري كان السبب السادس لدى الـ«CDC» بينما لم يكن ضمن قائمة الأعلى 15 سببا في مصادر الضمان الصحي. وأمراض شرايين القلب كانت الأعلى تسببا في الوفيات في مصادر الـ«CDC»، بينما كان مرض فشل القلب لدى مصادر الضمان الصحي.

وإزاء هذا الاختلاف الواضح، والاختلاف ذي التأثيرات المهمة على الأولويات في الخطط الاستراتيجية للرعاية الصحية، قال الباحثون صراحة إن «شهادة الوفاة الحالية لا تقدم لنا القصة الحقيقية، وإن منشأ إغفال الخرف بوصفه سببا ثانيا للوفيات بالولايات المتحدة هو نتيجة التبسيط المفرط oversimplistic للأطباء في كتابة شهادة الوفاة». وأضافت الدكتورة ماري تينتي، الباحثة الرئيسية بالدراسة، قائلة: «تفاجأنا مما وجدناه في النتائج». وشددت على ضرورة «إيجاد نهج جديد أكثر دقة» في كتابة معلومات أسباب الوفاة ضمن شهادة الوفاة كي تكون المعلومات المستخلصة منها أكثر واقعية وأكبر فائدة.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]