إرهاصات الثورة و«خزعبلة» كيماويات بشار

TT

الغريب أن أحدا لم يتطرق قبل الثورة - إلا في حالات نادرة وعابرة - إلى وجود أسلحة كيماوية وبيولوجية في سوريا. وفجأة بدأت التصريحات تتصاعد، خصوصا ما جاء على لسان أرفع المسؤولين في أميركا وفرنسا. وفي مرحلة الإعداد لحرب 2003، نشرت تقارير تشير إلى أن العراق قام بنقل مثل هذه الأسلحة إلى سوريا، وهي تقارير كانت بعيدة عن الواقعية، على الأقل لأن صدام لم يكن يثق في القيادة السورية، ومر بتجربة مريرة عندما قرر إرسال نحو 140 طائرة إلى إيران.

وبسذاجة اليائس، اعترفت السلطة في دمشق على لسان وزارة الخارجية، بحيازتها هذه الأسلحة. وقالت إنها لن تستخدم إلا ضد هجوم خارجي، وهو تهديد ينم عن خوف من احتمالات التدخل الخارجي لوقف المذابح التي يتعرض لها السوريون. وأكدت السلطة - ومعها الروس - التزاما بعدم الاستخدام الداخلي، وعلى وجودها في أيد أمينة، تمشيا مع القلق الأميركي من وقوعها في أيد غير أمينة، وكأن الأيدي التي تقتل الأطفال وتدمر المدن وتغتصب الناس أمينة! ببساطة، إن مواقع الصواريخ والقنابل والحاويات الكيماوية والبيولوجية أصبحت معلومة بفضل تقارير المنشقين، ومن الطبيعي أن تكون تحت رصد الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع ومجموعات الاستطلاع العميق، وعناصر المراقبة المحيطة. فضلا عن المعلومات التي ترد من داخل تلك المواقع. وأصبحت السيطرة عليها ممكنة في حالات الطوارئ القصوى. وعلى الدول المهتمة في هذا المجال الاستفادة من قوى المعارضة العسكرية، وتشكيل وحدات مختصة منها، للحركة السريعة لضبط المواقع فور وقوع الانهيار العام، ولا بأس أن يكون هذا بتنسيق مع قوات خاصة أممية. وتدرك السلطة الغاشمة أن أي استخدام سيؤدي إلى رد فعل فوري شامل، ولن تحقق ضربة متهورة كهذه ما تحقق في مجازر تعرض لها الأبرياء. كما أنه من غير المرجح نقل أسلحة من هذا النوع إلى جنوب لبنان، لأن أي استخدام لها ستتحمل تبعاته سلطة دمشق مباشرة. لذلك، يرجح بقاء المستودعات ضمن حدود ما هي عليه الآن.

وإذا كانت إرهاصات الثورة تقدم ذريعة لـ«تقطير» المساعدات المطلوبة للدفاع الفعال، وتأخير عملية الحسم النهائي، بحجج التخوف من عدم ضبط أسلحة الدمار، فإن من واجب أصدقاء سوريا العمل على تجاوز الإرهاصات، وإيجاد الحلول لها، ومنها التراشق الكلامي بين عدد من الضباط المنشقين البارزين، لا سيما أنهم موجودون في مواقع تحت نفوذ الأصدقاء.

فالمهم الآن هو تطوير استراتيجية الكفاح الشعبي وتحويلها من سياقات ومناهج وممارسات محلية آنية وعفوية، إلى خطط مركزية، وتشكيل نواة لجهاز أمن وطني من الآن، يتولى جمع وتدقيق وتفسير المعلومات، لتسهيل عمليات الدفاع الشعبي في المرحلة الحالية، والمساعدة في تأمين عملية الانتقال من الانفلات إلى السيطرة.

وفضلا عن جهاز الأمن الوطني، يفترض البدء الفوري بتشكيل هيئة أركان مشتركة للقوات المسلحة الثورية، لتشغل هياكل الأركان العامة للدولة فور التغيير، والتي لم يعد معظم الأشخاص العاملين فيها صالحين للمرحلة المقبلة. وهو ما سيغطي كل الاستحقاقات الفردية لمعظم الثوار من المنشقين العسكريين وبعض رجال الثورة المدنيين، الذين يلعبون دورا مميزا حاليا. فالمدنيون من المقاتلين يمكن تكليفهم بمهمات في الأمن الوطني، بالاستفادة من خبرات المنشقين، أو من مبادئ عامة وخبرات عربية ودولية صديقة. ومن هم موجودون من منشقين من الضباط وضباط الركن في مجالات الأمن والمخابرات والجيش، يمكن أن يغطوا متطلبات هذه الهيئات المهمة جدا، وبكفاءة عالية، خلال فترة وجيزة. فالصراع الآن ميداني ونفسي على كل الجبهات، ولا يجوز حرمان تشكيلات الثورة من مؤسسات حساسة تساعد في بلورة استراتيجية فعالة. ولمجابهة الحرب النفسية التي تشنها السلطة وعملاؤها، يفضل العمل على تشكيل مؤسسة للحرب النفسية، تتولى السيطرة قدر الإمكان على ما يصدر من بيانات وتوضيحات ومواقف.

وعلى سبيل المثال، إذا كان ذكر التضحيات البشرية للمدنيين ضروريا للغاية، فالضرورة تقتضي حجب أرقام التضحيات البشرية في صفوف الثوار؛ لأن الأرقام العالية تشجع الطرف المقابل على العناد، وربما تتسبب في إضعاف المعنويات. وفي الحروب، نادرا ما تعطى أرقام صحيحة للخسائر في صفوف المقاتلين.

من المؤكد أن الثوار حققوا طفرات مذهلة في بناء قواتهم. ويفترض عدم التوقف عند «خزعبلة» جراثيم وكيماويات بشار، فإنها ستقع تحت سيطرة سلطة الشعب.