مصر إلى أين؟

TT

مصر تتجه لمسارات كثيرة، فهي تريد استعادة زعامتها للمنطقة لكنها تصطدم بحواجز كثيرة، وتريد أن تكون دولة مدنية، لكنها تقف مكتوفة الأيدي إزاء تمدد الإسلاميين المتسارع في الشارع المصري المكتظ بشعاراتهم، وتريد أن تغادر حقبة النظام السابق، لكنها تكتشف بأنها ما زالت تعتاش على إرث مبارك، الذي ربما لا ينتهي في القريب العاجل، وتريد أشياء كثيرة لكنها تجد نفسها تدخل عنق الزجاجة سواء بإرادتها أم غير ذلك، لكنها في كل الأحول تخطو نحو النفق بسرعة كبيرة جدا.

في مصر الآن لا صوت يعلو فوق صوت الطائفية، قد يستغرب البعض هذا، ولكن التحسس من الآخرين بات سمة الشارع المصري، لا أحد يعرف من يتحكم بهذا الشارع الذي يجد نفسه غاضبا بسرعة، بالأمس تحشد آلاف المصريين أمام سفارة واشنطن في القاهرة ومزقوا علم أميركا ووضعوا بدلا عنه (راية سوداء) هي راية الخلافة وكأنهم بهذا يؤكدون هوية مصر، التي ما زال البعض لم يتأكد منها أو يدققها ويتأكد من صحة الهوية الذي اتضح كثير من ملامحها.

وسبب هذه الحشود هو الاحتجاج على إنتاج فيلم سينمائي يسيء إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عرض هذه الأيام تزامنا مع الذكرى الحادية عشرة للهجوم على مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

ورغم أن من أنتج الفيلم هم من أقباط مصر المهاجرين لأميركا، ولعل هذا سبب الاحتجاجات، أقباط وأميركا، لكن لو نظرنا للأمر على إنه رسالة احتجاج، فهل يفهم الشعب الأميركي أن رفع راية سوداء فوق مبنى السفارة هو احتجاج على فيلم أم استذكار لهجمات سبتمبر؟ أم إن أقباط مصر سيفهمون بأن الاحتجاج على أميركا وليس عليهم؟ أسئلة كثيرة تراود الأقليات في مصر، هذه الأقليات التي تشعر بالخوف ومنها من بدأ بالفعل رحلة الهجرة النهائية، البحث عن أماكن أخرى أكثر أمنا، في ظل شارع يغلي لأي سبب وأزمات كثيرة تعصف بمصر أهمها الوضع الاقتصادي المتردي، الذي يزداد ترديا يوما بعد آخر.

وما يمكن أن نقوله بأن النظام السياسي الحالي في مصر تمكن من أن يجد حلولا لقضايا سياسية في الشارع المصري، لكنه فشل حتى هذه اللحظة في إيجاد حلول اقتصادية لمشاكل مصر، ولهذا فإنني أرى أنه سيظل يراهن على غليان الشارع لأي سبب كان سواء تعلق الأمر بفيلم أنتجه أقباط في أميركا أم برفض الإمارات على سبيل المثال تسليم أحمد شفيق المطلوب للقضاء المصري بتهم كثيرة، وهي أزمة قادمة «تطبخ على نار هادئة»، وبعدها محاكمة المشير طنطاوي وسامي عنان، مسلسل طويل ويومي يجعل الشارع والميادين دائما مكتظة بالمتظاهرين، ولكن هو في نفس الوقت يمثل ممرا للهروب من المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر، التي لجأت أخيرا لصندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار لتأمين احتياجات الشعب المصري الضرورية مع الأخذ بنظر الاعتبار انخفاض قيمة الجنيه المصري بشكل كبير إزاء العملات الأخرى.

* كاتبة عراقية