في الغضب والتطرف واستعداء الغرب

TT

حرب أهلية في سوريا. تفجيرات يومية في العراق. ومثلها في اليمن والصومال. مظاهرات ومحاكمات واغتيالات وحرق سفارات واختطاف رهائن. تلك هي معالم صورة العرب والمسلمين في العالم، اليوم. ويا لها من صورة تشوه ما تبقى من ملامح الربيع العربي الذي صفق له العالم واستبشر به كل إنسان عربي ومسلم!

صحيح أن الثورات تعقبها مراحل انتقالية صعبة بل ودامية أحيانا. هكذا علمنا التاريخ. ولكن ليس بالشكل الذي تعيشه الأمتان العربية والإسلامية، اليوم. فما نراه ليس تاريخا يسير إلى الأمام ولا تاريخا يعود إلى الوراء، بل تاريخ يدور على نفسه من دون ضابط ولا اتجاه. ولا أحد يعرف متى وعند أي محطة سيتوقف.

إن الذين ثاروا وهاجموا السفارتين الأميركيتين لدى ليبيا ومصر، وغيرهما في العواصم العربية والإسلامية، لم يشاهدوا الفيلم الذي قيل لهم إنه يسيء إلى الإسلام والنبي (صلى الله عليه وسلم)، بل حرضوا على ذلك من قبل جماعات سياسية - دينية تنتظر أي حادثة من هذا النوع كي تخرج إلى الشارع وتعبر عن وجودها وغضبها بهذه الطريقة الانفعالية. وقد يكون من المفيد التذكير بأن أول من ابتدع هذا الأسلوب في مهاجمة السفارات والاعتداء على الدبلوماسيين كان على يد الطلاب الإيرانيين الذين احتلوا السفارة الأميركية في طهران عام 1979، وأول «هدر لدم» كاتب أو فنان أجنبي كان فتوى الخميني بحق الكاتب الهندي - البريطاني سلمان رشدي.

إن الفيلم الذي أثار الجماهير العربية والإسلامية هو حادثة جديدة من حوادث الإساءة إلى الدين الإسلامي ورموزه في الغرب، يرتكبها مغرضون. وإذا كان من حق المسلمين أن يستنكروا مثل هذه الحوادث، فإن الاستنكار بطريقة هدر الدماء ومهاجمة السفارات ليس هو الأفضل طريقة والأضمن نتائج والأقل ثمنا. إنه يشوه صورة المسلمين في نظر الملايين بل المليارات من البشر العاديين أو المثقفين الذين يؤمنون بحرية الرأي ومقارعة الفكر بالفكر، لا سيما الذين باتوا يتعاطفون مع القضايا والحقوق العربية؛ فهناك الحكومات والقضاء والإعلام للحؤول دون تكرار ذلك أو لطمس آثاره أو معاقبة فاعليه.

لقد رحبت الحكومات الغربية والرأي العام الغربي بالربيع العربي على الرغم من صعود الإسلاميين إلى الحكم بعد سقوط الأنظمة السلطوية. ولكن المرحبين ما كانوا لينتظروا ردا من النوع الذي شهدته القاهرة وبنغازي، كما قالت وزيرة الخارجية الأميركية. ولا «شماتة» الرئيس الروسي فيهم، اللهم إلا إذا كان هناك من يعتقد أن الصدام بين حكم الإسلاميين والغرب الأميركي - الأوروبي محتم، وأن ما حصل بالأمس ليس سوى عينة جهادية بسيطة من حرب تاريخية دائمة.

إن المشكلة الحقيقية ليست في الاعتداء على السفارات والدبلوماسيين. ولا هي في اختلاف المصالح بين الشرق والغرب، أو تباين الحضارات والثقافات، بل هي في التطرف، هنا وهناك. في وجود المتعصبين الأصوليين المتصهينين في الغرب الذين يريدونها صليبية غربية - صهيونية على المسلمين. كما هي في وجود متطرفين إسلاميين، من «قاعدة» و«سلفيين» و«تكفيريين»، الذين يفكرون ويتصرفون بعقلية القرون الوسطى ولا يعترفون بأننا في القرن الحادي والعشرين، في عصر الكومبيوتر والإنترنت والتواصل والعولمة والوصول إلى المريخ. ويقسمون العالم إلى «دار حرب» و«دار إسلام»، ويذهبون إلى «الجهاد» ضد الغرب الذي يمتلك القنابل الذرية والصواريخ وكل أسلحة الدمار الشامل، وسلاحهم السيارات المفخخة والاغتيالات الفردية والإرهاب.

ثمة مشكلة أخرى، وهي وقوع العرب والمسلمين، مرة جديدة، ضحية اللعبة الإسرائيلية المستمرة منذ قيام دولة إسرائيل. وهي لعبة مزدوجة، أهدافها توسيع هوة الخلاف والتصادم بين الغرب الأميركي - الأوروبي من جهة والعرب والمسلمين من جهة أخرى. والعمل على بث الفرقة والانقسام والنزاعات بين الفئات والجماعات والطبقات التي تتألف منها الأمتان العربية والإسلامية. ومن يتأمل في المشهد السياسي للعرب والمسلمين في العراق وسوريا ولبنان ومصر وفلسطين وغيرها من الدول، لا يستطيع إنكار نجاح هذه الخطة في تمزيق كل شعب وكل وطن من الأوطان العربية، وما كانت هذه اللعبة الإسرائيلية لتنجح لو لم يكن التكوين الثقافي الاجتماعي في الدول العربية قابلا للوقوع ضحية لتلك اللعبة.

إن التطرف السياسي وزج الدين في السياسة واعتماد العنف والمظاهرات أسلوبا للوصول إلى الحكم، ليس أفضل طريق يسلكه العرب والمسلمون لتحقيق أمانيهم أو لاسترجاع حقوقهم أو للدفاع عن مقدساتهم، بل هو أسهل وأخطر طريق، وأغلاه ثمنا.