اكذب حتى يصدقك الناس!

TT

قال رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل إن «الحقيقة غالية جدا، ولذا يجب أن نحميها بجيوش من الأكاذيب». وهذه المقولة كثيرا ما تذكرني بوزير الدعاية السياسية في عهد الزعيم النازي هتلر الذي كان يردد عبارته الشهيرة «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس»!

ويبدو أن هناك بالفعل من يمارس هذا الكذب في مجتمعاتنا، لا سيما كبار القادة السياسيين الذين يصورون لجمهورهم أوهاما على أنها حقائق، أو بالأحرى يتعمدون أن يبنوا سياساتهم على معلومات غير دقيقة. وهنا أتذكر ما أعلنته الإدارة الأميركية من أن أحد أسباب هجومهم العسكري على العراق عام 2003م كان بسبب معلوماتهم عن امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل التي تهدد المنطقة برمتها، ثم صدر تقرير أمني لاحقا «بعد خراب البصرة»، كما يقال، أكد أن العراق ليس فيه أسلحة دمار شامل! وكم روج عشرات النواب في البرلمانات العربية والعالمية لوعود براقة لناخبيهم يعلمون يقينا أن أحدا منهم لن يستطع تنفيذها. وهو مصداق لمقولة قرأتها منذ زمن تقول: «إن السياسي هو الشخص الذي ينجح في إقناع الناس بأن ما يفعله هو الصواب». ولكن يبدو أن ذلك يمر أحيانا عبر جسر من الأكاذيب.

وكم أنزعج حينما أقرأ تصريحا من مسؤول عربي رفيع يحاول احتواء ردة فعل الرأي العام الغاضبة بشأن قضية فساد كبرى بأن يؤكد لهم أنه قد «حول المسؤول الفلاني إلى النيابة العامة»، وهو تعبير خداع وفضفاض، لا سيما حينما لا يتم تحويل ما يكفي من الأدلة التي تثبت تورط هذا المسؤول، فيجد وكلاء النيابة أنفسهم مضطرين إلى حفظ القضية لعدم كفاية الأدلة!

والمشكلة أن كثيرا من المسؤولين، الذين يصدقهم عامة الناس بحسن نية، يرددون دوما مقولات ليست صحيحة على الإطلاق، وتوحي بدفاعهم المستميت عن حقوق الناس ومكافحة الفساد المستشري وغيره، ربما اتباعا للقاعدة الإعلامية الشهيرة «ما تكرر تقرر» حتى يصدق الناس ذلك، غير أنهم في حقيقة الأمر يرتكبون جريمة بحق أنفسهم ومجتمعهم، ناسين أو متناسين أنهم يستطيعون أن يخدعوا الناس بعض الوقت لكنهم لن يستطيعوا أن يخدعوا الناس كل الوقت.

والأسوأ من هذا وذلك حينما يكذب المسؤول ثم يصدق كذبته بأنه هو بالفعل حامي حمى الأنظمة واللوائح والقوانين والعادل والحكيم، فلا يعود يستمع للنقد، ولا يرحب بنصيحة، فتكثر أخطاؤه وتخبطاته وتتفاقم معاناة مجتمعه والعاملين معه.

وبرأيي فإن هؤلاء لا يقدمون على الكذب والخداع إلا لأنهم يظنون أن الناس لديها ذاكرة القطط «الضعيفة»، متناسين أن الكذب مهما طال فإن حبله قصير.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]