ماذا يستطيع «فيلق القدس» أن يقدم لبشار؟

TT

في بدايات التأسيس، كان «فيلق القدس» أحد التنظيمات التي تتبع قوات الحرس الثوري «الباسداران»، وأخذ مسميات متقاربة، فتطلق عليه تسمية «مقر القدس» أو «فيلق القدس»... إلخ، وهو ليس تشكيلا قتاليا نظاميا، ولا تدخل في هيكله وحدات قتالية. ابتدأ بتنظيم وتكوين ومساعدة جماعات تنفذ حروبا غير نظامية. ومع تطور قدراته وتوسع مسؤولياته ابتعد عن قوات الحرس الثوري عمليا، وأصبح أحد أهم المقرات التي تتبع مقر المرشد الأعلى مباشرة. فعمله يتطلب صلاحيات واسعة وقدرات كبيرة غير متاحة للحرس الثوري، ويتطلب قرارات عليا مستمرة، لأن عملياته ونشاطاته التنفيذية تقع على الدوام خارج الحدود الإيرانية، وما هو موجود على الأرض يمثل المؤسسات التي تدخل ضمن مفاهيم الإدارة والتدريب والتخطيط والتجسس. لذلك فإنه يمثل الوجه الآخر للحرس الثوري، يتولى التنسيق المباشر مع المنظمات الرئيسية الخارجية مثل حزب الله، ونزولا إلى المستويات الصغيرة المكونة من خلايا تنظيمية مسلحة توصف أحيانا بـ«الخلايا النائمة».

ونادرا ما يظهر قائد الفيلق في لقاءات علنية، لأن ما ينبغي أن يتحدث عنه يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وكشفا لمواقف الجماعات والمنظمات المسلحة، ويمكن أن يحدث ضجة على غرار ما حدث بعد تصريح قائد الحرس الثوري عن وجود لـ«فيلق القدس» في سوريا ولبنان. ويمكن وصف دور قائد الفيلق في سوريا بأنه المنسق الرئيسي لكل المساعدات والمعونات وأشكال الدعم التي تقدمها إيران للسلطة لكبح الثورة الشعبية، ومنها:

أولا. متابعة سير العمليات القتالية، وما قيل عن وجود اللواء قاسم سليماني في دمشق بين فترة وأخرى يعتبر عاديا للغاية، مع فتح مقار تنسيق مباشر مع مكتب الأمن القومي ورئاسة الجمهورية وكل الأجهزة الأمنية والأركان العامة. وتقوم هذه المقار بنقل المواقف والمعلومات وتقديم المقترحات إلى مقر الفيلق في طهران، ومنه إلى المرشد الأعلى مباشرة، لتصدر التوجيهات من مقره إلى مؤسسات الدولة للتنفيذ، لكون توجيهات المرشد ملزمة لكل الأجهزة والدوائر والمؤسسات الرئاسية.

ثانيا. التنسيق مع المنظمات الخارجية لتأمين المساندة، مثال ذلك، التنسيق المباشر مع حزب الله ومنظمات هامشية فلسطينية متآكلة، بعد أن تراجعت علاقة المنظمات الفلسطينية الرئيسية مع إيران إلى حدودها الدنيا. وتحريك الخلايا النائمة في مواقع مختلفة من مناطق الاهتمام في دول الإقليم وجوارها، وتكثيف الوجود في المناطق التي تشهد حراكا هاما، كما هو الوضع في شمال أفريقيا، وركوب بعض موجات الحراك على غرار ما حدث في قصة الفيلم المسيء. ليس لصرف الأنظار عن سوريا فحسب، بل لتجسيد حالات خطر زائفة، تترتب على سقوط نظام الحكم في سوريا. ولا شك في أن أحداث الفيلم المسيء ساهمت بحدود معينة في تزايد الفتور الدولي في الإجراءات المفترضة لمنع عمليات القمع الدموي، تحت كذبة التشدد الديني للثوار.

ثالثا. تدريب وتنظيم ونقل ميلشيات للتعويض عن الخسائر اليومية وحالات الانشقاق المستمرة، وتقديم التجهيزات والمواد القتالية والأسلحة، خصوصا التعويض الفوري عن النقص في العتاد، بعد أن تجاوزت المصروفات اليومية قدرة التعويض الذاتي، فبدل أن ترسل روسيا العتاد تتولى إيران المهمة.

وعودة إلى عملية تفجير مكتب الأمن القومي، فقد حدثت في حينه صدمة خطيرة، كان ممكنا أن تسقط النظام خلال فترة وجيزة، واضطر بشار الأسد إلى الاختفاء ووقف تنقلاته. ثم حدثت بعدها متغيرات في قواعد الاشتباك تدل على وصول مدد كبير ساعد في احتواء الموقف، قبل أن تستأنف قوى الثورة تحركاتها في دمشق وتسيطر على أجزاء كبيرة من حلب. ومع منعطف الأمن القومي بدأ الدور الإيراني يتصاعد بصورة متسارعة وعلنية.

حتى الآن، يصعب الجزم بوجود وحدات قتالية إيرانية متكاملة تقاتل إلى جانب قوات السلطة، إلا أن وجود عدة آلاف من حزب الله ومن خبراء ومدربين ومجموعات خاصة إيرانية، يعتبر من الحالات التي ظهرت معطياتها على الأرض بأشكال متنامية. والشيء المؤكد هو أن مطاولة السلطة كل هذه الفترة ما كانت لتتحقق لولا الدعم الروسي والإيراني. والإيرانيون أكثر استعدادا للتدخل مقارنة بالروس، لأن مصلحتهم أكبر والتزاماتهم الدولية أقل، بينما يحرص الروس على تفادي الوقوع في شرك الشراكة في الأفعال التنفيذية بقدر معين. وهذا لا يعني أن الثورة ستسحق، بل إن التضحيات ستكون جسيمة.