حكومات الإخوان والجهاديون

TT

الهجمات التي شنها الجهاديون المتشددون على سفارات أميركا في مصر وتونس وليبيا، وهي الدول التي يحكمها الآن إسلاميون، تمثل أول منازلة خطيرة بين فصيل إسلامي لا يؤمن بالسلاح لتحقيق غايته وفصيل إسلامي يرى السلاح السبيل الأنجع لفرض أيديولوجيته، صحيح أن الإسلاميين الجهاديين لم يستهدفوا الإسلاميين بهذه الهجمات بشكل مباشر، لكن الهجمات بالتأكيد افتئات صريح على حكم الإسلاميين. هذه الهجمات مع المعركة التي خاضها الجيش المصري على الفئات الجهادية في سيناء وطرد الحركة الجهادية الليبية من بنغازي وتدمير مقرها، كلها تمثل فصلا جديدا في العلاقة بين الفصيلين.

لقد شهدت العقود الماضية منازلات بين الإسلاميين (الإخوان ومن تأثر بفكرهم) والجهاديين (القاعدة ومن تقاطع مع طرحها) لكنها لا تتعدى النزالات الفكرية والتراشق بالبيانات خاصة من الطرف الأعنف، وأبرزها البيانات الصادرة من الدكتور أيمن الظواهري، إلا أننا بعد نزالات الجهاديين العسكرية مع حكومات يسيطر عليها الإخوان أو من يقاربهم في الفكر جعلنا ندلف مرحلة جديدة تمثل اختبارا صعبا لكلا الطرفين، صعوبته على الإسلاميين الحاكمين تكمن في محاربتهم لمن يحقر أحد الإخوان صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، هدفهم المعلن تدمير إسرائيل ومقاومة أميركا وإقامة الخلافة الإسلامية، شعارات تسللت لشريحة من الشعب العربي، مما يجعل هذه الشريحة تعتقد أن محاربة من هذه شعاراته نوع من الرضوخ للمخطات الغربية والصهيونية. ودخول الجهاديين في معارك بالسلاح مع حكومة يرأسها مثل الدكتور محمد مرسي محرج أيضا للتيارات الجهادية لأنهم يظهرون، أمام الشعوب العربية، كمن يأخذ القانون بيده ويهاجم بسلاحه على مزاجه وتقديره وتحت حكم إسلاميين للتو أخذوا فرصتهم في الحكم، أي أنهم إلى البلطجية الدينية أقرب. وهذا بالضبط ما حصل في السعودية، فحينما هاجمت «القاعدة» المصالح الأميركية في السعودية لم تكن ردة الفعل الغاضبة منهم مثل تلك التي حدثت بعد أن استهدفت «القاعدة» المؤسسات الأمنية السعودية والمنشآت الاقتصادية في البلاد، فخسرت كثيرا من شعبيتها وستخسر مرة أخرى في دول ثورات الربيع العربي إن هي واصلت بلطجيتها، كما جرى مؤخرا في ليبيا حين أبدت شرائح عادية من المواطنين الليبيين ضيقهم وتبرمهم من الميليشيات الجهادية المسلحة، فنظموا مظاهرات ضدها تطالب بمعاقبتها وكف شرها.

وأحسب أنه من المهم ونحن بصدد تحليل المعطيات الجديدة في العلاقة بين المتأثرين الإخوان والجهاديين أن أشير إلى أن الجماعات التي انتهجت طريق العنف لتحقيق غاياتها تجد في عينة الشباب المنتمين للإخوان أو المتأثرين بهم أرضا خصبة لغسل أدمغتهم ومن ثم تجنيدهم، ولا تستطيع ابتداء تجنيد الأشخاص العاديين، وكان الدكتور عبد الله عزام، رحمه الله، حين خرج من تنظيم الإخوان أول من شيد جسرا بين فئة الإسلاميين المسالمين وفئة الجهاديين واستطاع بكاريزميته وأسلوبه المؤثر أن يحول عددا كبيرا من الإسلاميين غير الجهاديين إلى جهاديين كونوا بعد ذلك نواة للقاعدة، وهو وإن وظف هذا التقريب لمحاربة الاستعمار الشيوعي لأفغانستان، والذي كان في حينه غاية سامية في عين الدول العربية والحركات الإسلامية على حد سواء، فإن هذا التقريب خرج عن السيطرة.. أشبه بمن وجد شبلا للبؤة ميتة لا يتعدى حجمه حجم القط أشفق عليه ورباه لكن حين كبر تمكنت منه جينات الغابة فصار كأمه سبعا شرسا يمثل خطرا لا يمكن السيطرة عليه. هذا الموضوع أحدث لبسا في فهم العلاقة بين فصائل الإسلاميين المختلفة جعل بعض المحللين، ومنهم الصديق عبد الرحمن الراشد، يضع الجميع في قالب واحد، ولي عودة لهذا الموضوع.

[email protected]