متى تقع الحرب!

TT

بعد أن تبين القمع البشع الذي قامت به حكومات الاتحاد السوفياتي والدول التي كانت تدور في محورها ضد مواطنيها، كان أهم ما سلبه ذلك القمع هو ألسنتهم، فواجه العالم هذا القمع بمرارة النكتة الحادة، فقد روي أن أحدهم سأل مواطنا روسيا: ما رأيك في الطقس هذا الصباح؟ فأجاب المواطن، كما قالت الإزفستيا، فسأله ثانية، أريد أن أسمع رأيك أنت، فقال كما قالت البرافدا (الصحيفتين الرسميتين وقتها)، فلما ألح عليه السائل، أنه يريد رأيه الشخصي، قال متأففا: إني لا أتفق مع رأيي! الأنظمة القمعية لا ترى ولا تسمع من مواطنيها غير ما هي مقتنعة به، حتى لو ادعت أن كل العالم على خطأ، فذلك المواطن الروسي يشابه كل مواطن في أوطان القهر!

لذلك فإن النظامين السوري والإيراني يعتقدان أن الذي يحصل في سوريا ما هو إلا موقف ضد (المقاومة) تقوم به القوى المعادية! في الوقت الذي يطالب فيه السوريون بالحرية، ويطالب الإيرانيون بالخبز. مثل هذا النوع من الأنظمة القمعية لا تسمع ضجيج المطالبين بالحريات كما لا تسمع أنين الجوعى.

إيران كلما حدث حادث في المنطقة مالت إلى ما أصبحت تجيد إتقانه من إقامة مناورات عسكرية صاخبة، واستعراض للصواريخ محمولة على سيارات، ثم التصريحات النارية بإغلاق مضيق هرمز! وسوريا كلما سقط المزيد من الشهداء في درب الحرية، تحدثت عن المقاومة والممانعة. يبدو أن أحدا لا يتعلم من الخبرات السابقة، أو بالأحرى لا يريد أن يتعلم؛ حيث الأفواه مقفلة، وإن نطقت فهي تنطق بما قاله الإعلام الرسمي، كما قال صاحبنا الروسي في الأيام الخوالي.

طبول الحرب تسمع بقوة في منطقتنا ويبدو أن الأمر ليس الإجابة عن سؤال ما إذا كانت الحرب سوف تقع، بل متى ستقع. منذ أشهر كتب دنس روس، الخبير المعروف في شؤون الشرق الأوسط: قريبا سوف يأتي الوقت الذي يدخل فيه رئيس وزراء إسرائيل على الرئيس الأميركي في البيت الأبيض ويقول له: سيدي الرئيس أستأذنكم في شن الحرب على طهران لأن الأمن الإسرائيلي أصبح مهددا. ما إذا كان ذلك السيناريو سوف يتحقق أو لا يعتمد على ردود الأفعال الإيرانية، فطهران تصب – من خلال تصريحات غير منضبطة – البنزين على النار. فالقول إنه كلما ضاقت سبل العمل السياسي فسوف تمحى إسرائيل من الخارطة، قول مجبول على عاطفة شديدة ومليء بقصر نظر سياسي يذكرنا بمقولة إلقاء إسرائيل في البحر، التي نتجت عنها بعض حروب توسعت فيها إسرائيل حجما ثلاث مرات عما كانت عليه، وما زالت محتفظة بذلك التوسع، ومن جهة أخرى تعب العالم من الدائرة المستديرة التي تدور فيها المفاوضات مع إيران، كلما انتهت فترة دخلت في أخرى. ولعل إجازة مجلس الشيوخ الأميركي قرار يتيح للولايات المتحدة – إن قضت الضرورة – بتبني سياسات بديلة تجاه إيران، غير سياسة الاحتواء، صورة لما سوف يأتي، خاصة أن القرار وافق عليه بالإجماع! القراءة الفطنة لذلك القرار، التحول من الاحتواء إلى المواجهة.

إن وقعت الحرب فإن نتائجها سوف تكون كارثية على المنطقة بكاملها، سوف يتغير وجه المنطقة كما لم يتغير من قبل. قد لا تصبح إيران بحدودها المعروفة هي إيران ما بعد الحرب، وقد لا تصبح كل من سوريا ولا لبنان كذلك. وقد تتغير خارطة العراق، ولن يكون الخليج في منجى من تلك الحرب الكارثية إن وقعت. ثم إن الحديث عن قوى (مقاومة) كما قيل في دمشق وردد في طهران يتجاوز طموحات الشعوب التواقة إلى الحرية للدخول في منطقة سوداء من عدم الشعور بالمسؤولية.

قد تتصور طهران أن دعوتها من قبل الإدارة المصرية للحديث حول الوضع السوري، هو إقرار أولا يشي بقبول النظام السوري كما هو، وثانيا بداية تحالف في المنطقة قد يغير موازين القوى. عدد من المحللين يفسرون الدعوة المصرية على أنها إما سوء تقدير لما تريد إيران أن تحققه، أو تسرع لم يكن مدروسا، وقد انقضت الاجتماعات الشكلية دون حضور المملكة العربية السعودية، واقتراح عجيب من إيران أن تضم العراق وأيضا فنزويلا إلى الرباعية، الاقتراح الإيراني يعني بالعربي البسيط، تعطيل المبادرة المصرية وتحويلها إلى ناد للقاء الدبلوماسي تباع نتائجه إلى الداخل الإيراني على أنه إنجاز.

البعض يريد أن يصم آذانه عن طبول الحرب، ولكن المناورة العالمية التي جرت الأسبوع الماضي في الخليج تنم عن قرب ذلك الصدام وقد يكون أقرب إلى التحقق بعد الأسبوع الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بعد أن يشهد العالم نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.

من جهة أخرى، فإن القصور العربي والإقليمي للاستعداد للآتي قصورا مشاهدا، فالجميع يتعامل مع الأحداث وكأن ما هو موجود اليوم سوف يستمر غدا. هذا أمر يدل على فقر المطبخ السياسي، حتى تركيا التي اعتقد البعض أن لديها بعض المؤسسات القادرة على صياغة مبادرات خلاقة، لم تظهر مبادرة تنم عن فهم كامل وواضح للأحداث الجسام المقبلة. أما الجانب العربي فإن الخلافات العميقة بين أطرافه أسهمت في عدم رفع العين عن الشجرة، إلى النظر للغابة المليئة بالاحتمالات مما يعطل آلياتها التي كلما أصابها الوهن قفزت إلى الساحة الدولية تطلب العون لعل بها بعض الترياق.

آخر الكلام:

منع بغداد شحنة سلاح مقبلة عن طريق الجو من كوريا الشمالية إلى دمشق، قد يكون ذرا للرماد في العيون فالأهم هو منع القوافل الأخرى المقبلة من الجوار.