فلسطين: قسمة بلا قرار مرقَّم

TT

عام 1974 جاء ياسر عرفات إلى نيويورك ليخاطب العالم من الأمم المتحدة، حيث وقف قبله فيدل كاسترو يخاطب أميركا، وحيث جلس نيكيتا خروشوف يدق بحذائه الطاولة أمامه. جلس العالم يشهد وصول عرفات ثم جلس يصغي إلى خطابه وخلاصته الشهيرة: المسدس وغصن الزيتون.

جاء الرئيس محمود عباس إلى الأمم المتحدة هذا العام كمثل رئيس دولة هادئة مثل فنلندا، لا قضايا لها تقريبا. لا يثير غضب أحد ولا خوف أحد. لا يمثل ثورة فلسطينية لأنها رماد ولا أمة عربية لأنها جمر. هل تريدون الحقيقة وتتحملون سماعها؟ فلسطين، مثل الكونغو أوائل الاستقلال، كل جهة تريد أن يمثلها وفدها. وبالمناسبة، سوريا أيضا لها وفدان، لكنهما يحملان شعارا واحدا: أمة عربية واحدة.

كنا نتحدث عن ضياع فلسطين والآن عن ضياع القضية الفلسطينية. حماس همها في خلافة خالد مشعل وتحرير غزة من ألف منظمة نمت في ظلها. والعرب يعيشون ربيعهم جثثا على الشاشات. وإيران التي استوكلت لنفسها جميع حروب العرب وسلامهم ومصائرهم، يعرض مفاهيمها أحمدي نجاد في الأمم المتحدة. وخلاصة هذه المفاهيم عداء للسعودية. أبديات الجزر المحتلة. إرهاب الخليج. حلف حماس. تجاهل السلطة الفلسطينية. ونظام واحد يمكن أن يعني لها شيئا ما، السوري.

أصارح جنابك بأن المسألة تتعدى التشوش الذي اعتدنا عليه من قبل. وإذا قرأت عبد الرحمن الراشد عن الأردن فسوف تزداد خوفا، في كل الاتجاهات. وكل الطرق مسدودة. وبدل أن تكون فلسطين الأعلى صوتا والأعلى حضورا، هي الأعلى خجلا. لم يتخيل لها أعداؤها هذا الحال: وحيدة بعيدة يمزقها انقسام لا يحمل رقم قرار التقسيم. يمزقها الفلسطينيون والعرب والعجم. وبعدما كانت، في غيابها ورمادها، زينة الخريطة ونقطة الارتكاز ومضرب الموعد، صارت في الأمم المتحدة شيئا مثل فنلندا، الجميع يعرف أنه موجود لكن أحدا لا يتذكر وجوده.

العالم العربي الذي ذهب ياسر عرفات باسمه عام 1974، لم يكن فيه حرب حلب. ولم يكن فيه انفصال حماس. ولم يكن فيه فشل أوسلو. ولم يكن فيه كل هذه السموم والفرقة والتباعد. لا أدري ماذا قال الرئيس أبو مازن لزملائه عن موقف العرب من فلسطين.