عشاق النصب والجماهير

TT

اقرأ معي هذا الخبر الظريف أيها القارئ الكريم نقلا عن موقع قناة «العربية»:

أعلنت مشيخة الأزهر، الأربعاء الماضي، أنه ألقي القبض مؤخرا على محتال قلد توقيع وصوت شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لجمع تبرعات وهمية من مؤسسات محلية ودولية وملوك ورؤساء عرب.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية أن الأزهر ناشد في بيان «كل المؤسسات والهيئات المحلية والدولية التحقق والتثبت من كل المراسلات والمكاتبات باسم فضيلة الإمام الأكبر بعد إلقاء السلطات المصرية القبض على المتهم».

ثم تأمل: كم هي كمية الأكاذيب من حولنا في هذا العالم؟ كم هم المتاجرون بالأسماء والقضايا؟ كم هم المتآكلون بما ليس لهم؟ كم من مزور ومدع يطوف بنا كل ليل ونهار، وأحيانا بثياب الناصحين أو ثياب المستشارين، أو ثياب العالمين؟

ناصح مالي. أو نفسي، أو اجتماعي، أو سياسي، أو حقوقي، أو ديني، أو تاريخي، أو إعلامي، أو غير ذلك من تجار الزور.

يكاد يكون العالم من حولنا مسرحية زور، وفيلم خيال علمي رديئا. والحقيقة والحقيقي أعز من بيض الصعو، والكبريت الأحمر.

تجد المتحدث السياسي، أو كما يوصف «الناشط» السياسي، يتنقل من ذات اليمين إلى ذات الشمال، بكل رشاقة ووضاعة، دون أن يرف له جفن، بعضهم كان في أمس حسني مبارك، القوي قبل أن يهرم ويبين هوانه، عدوا لدودا للإخوان المسلمين، ثم في خريف مبارك وبعدما أصبح نمرا من ورق، لسانا حادا ووجها متجهما على الشاشات، لمن ينتقد الإخوان بحجة أنه معاد للديمقراطية، ثم بعد قليل من سقوط مبارك، قبل أن يأخذ الإخوان الحكم، أصبح نقد الإخوان المسلمين في مصر نوعا من «الزندقة» الثورية، وكان هذا الإعلامي منافحا عن الإخوان «الثوار» عشاق الحرية.. وشاتما للعسكر المريض، الذي تبين، لاحقا، أنهم نمر من ورق. ثم بعد أن تبين مدى حقيقة مطامع الأخوان، وكشفوا عن حرصهم الصلف على السلطة، وهشاشة إيمانهم بما يسمونه الديمقراطية، بمحتواها الفلسفي، وتهشم صورتهم الجماهيرية إعلاميا، وهذا هو المهم لصاحبنا البهلوان، أصبح ناقدا حادا للإخوان المسلمين. كل هذه الألعاب الاستعراضية والبهلوانية في أقل من سنتين. خصوصا لدى نجوم الإعلام والسياسة، وخصوصا أكثر لدى أصحاب البرامج الفضائية.

أفهم أن يكون الإعلامي جاهلا وسطحيا، لكنه ساذج الإيمان يصدق كل هيعة وفزعة. لكن ما لا أفهمه بل ما لا يستطيع الإنسان أن يحترمه، هو هذا الخواء في الرأي والرخاوة في تشكيل الموقف من الأشياء حولنا، وفقر المبدأ. أناس لا تنقصهم المعرفة أو حتى القدرة على المعرفة، أي إنهم لو رغبوا لعرفوا حقيقة هذا الفريق أو ذاك، لكنهم قرروا برمجة أنفسهم على رغبات الجماهير ومصالحهم الذاتية، والدوران مع هذه الجماهير، أو ما يتوهم أنه رغبة الجماهير، والركض خلف سراب الشعبية.

من هؤلاء، فنان وممثل جماهيري له الكثير من المسلسلات، سأله مذيع، مؤخرا، في القاهرة عن موقفه الذي ذكر عن مساندته لنظام بشار الأسد، فكان جوابه وهو الفنان المصري الجماهيري أن نفى هذا الخبر وانتقد من روّجه ولكن بحجة أن هذا الترويج يخسره جانبا عريضا من الجمهور المعادي لبشار الأسد! أي إنه يبرمج نفسه على أهواء الجمهور ومصالحه مع هذا الجمهور.

كم أغوى وأذل هذا الجمهور الكثير من عشاق الشهرة في هذا العالم..

[email protected]