كوبا وبغداد وحلب

TT

للسياسة قواعد كثيرة، معظمها لا أخلاق فيه ولا قيم. أحيانا تذوب فيها قيمة الإنسان، بسبب المصالح. وأحيانا يدمر وجوده بسبب المخاوف. وأحيانا بسبب الجبن المجرد. كانت كوبا في مرحلة ما، أهم حليف للاتحاد السوفياتي: دولة شيوعية قبالة الساحل الأميركي. ومن أجلها كادت موسكو تذهب إلى حرب نووية ربما أدت إلى زوال العالم. لكن بعد قليل أخذت أميركا تحرك أوروبا الشرقية ضد السوفيات، وشعرت موسكو بأصابع أميركا حول عنقها، فأصدرت نصائحها العاجلة إلى فيدل كاسترو: توقف عن دعم الحركات الشيوعية في أميركا اللاتينية. وكان هو يحلم بصبغ القارة الجنوبية كلها باللون الأحمر، لكنه توقف. لم يخف فقط إغضاب موسكو بل خاف صفقة أميركية سوفياتية. فمن يقول إن روسيا لن تتغاضى عن غزو أميركي لكوبا، كما تغاضت أميركا عن احتلال السوفيات لبراغ؟ وأي عارف بالسياسة لا يعرف أنها لا تقر بالمبادئ والآيديولوجيات؟

يشبه العراق اليوم كوبا الستينات. علاقة آيديولوجية مع إيران وتقيد بمطالب الحليف الأميركي الذي سلم مقاليد «دولة القانون» إلى رمز الديمقراطية نوري المالكي في البيت الأبيض. كان لدى باراك أوباما برنامج حافل يحول دون السفر إلى بغداد، فسافر السيد المالكي إلى واشنطن لتسلم مفاتيح الحرية. وفور عودته، أو غب عودته بالفصيح، انصرف إلى إدارة العلاقة المعقودة ما بين الوله الإيراني القديم والرابط الأميركي الضاغط. لذلك عندما قالت له أميركا بلاش رحلات عسكرية إيرانية إلى سوريا أصغى إلى ما يسمى صوت العقل بدل نداء العاطفة. أو على الأقل تظاهر بذلك.

في حرب سوريا كل فريق له رباطه. وليس من الضروري أن نعرفها جميعا اليوم فقد نعرفها بعد حين أو بعد فوات الأوان. لكن بالتأكيد هناك رباط ما يجعل هيلاري كلينتون تتحدث وكأنها محلل سياسي في «التايمز» وليس كوزيرة خارجية. وهناك رابط يجعل الصين تقف إلى جانب روسيا ضد مجموع العالم العربي وجامعته وضد أوروبا وضد العالم الإسلامي، فيما عدا إيران.

ليس بين القواعد السياسية الالتفات «إلى الأرض» لتفقد الضحايا بل النظر إليها لتفقد ميزان القوى. ولذلك لا يرى أحد أن حلب تدك من الجو مثل درسدن. أرسل سليمان فرنجية عام 1975 طائرتي «هوكر هنتر» صدئتين لضرب المخيمات الفلسطينية، فقام العالم العربي، فأعادهما إلى المربض. كل يوم تحلق طائرات «الميغ» الكريهة الشكل فوق مدن سوريا وترمد أحياء حلب، والعالم في الأمم المتحدة يصغي إلى خطابات سيرغي لافروف.