إرسال قوات عربية لسوريا غير مجدٍ

TT

من الممكن أن تتندر كيف أن التاريخ يعيد نفسه في منطقتنا، وتحديدا مع النظام الأسدي، حيث يأتي الأخضر الإبراهيمي مبعوثا للأزمة السورية بعد أن كان مبعوثا للأزمة اللبنانية التي تسبب فيها الأسد الأب. وتستطيع أن تتندر كيف أن المعلم لم يستطع مغادرة دمشق إلى نيويورك مؤخرا إلا من مطار الحريري ببيروت. وتستطيع أن تتندر أيضا على أننا اليوم أمام مقترح قديم جديد وهو إرسال قوات عربية لسوريا، بعد أن كان مقترحا خاصا بلبنان، قبل عقود.

تستطيع أن تقول كل شيء على عدالة القدر في هذه المفارقات، لكن لا يمكن القول إن مقترح إرسال قوات عربية لسوريا أمر قابل للتنفيذ. وكما قلنا هنا في 16 يناير (كانون الثاني) من هذا العام، وقال غيرنا بالطبع، فإن المهم والأهم هو تدخل دولي أوسع وحقيقي، وقد يكون من المناسب حينها تدخل قوات عربية تحت المظلة الدولية. أما القول بتدخل عربي فقط فإنه أمر غير قابل للتنفيذ، وقد يطيل أمد الأزمة السورية المطلوب اختصارها، وليس إطالتها.

فمجرد التحرك الدولي، وحتى خارج مظلة مجلس الأمن، ما دام الروس يعطلون أي قرار فيه، ومن خلال تحالف الراغبين، والإعلان عن فرض منطقة آمنة، وحظر طيران، فإن من شأن ذلك أن يسرع من تداعي ما تبقى من قوات طاغية دمشق، وهذا ما يقوله كثير من الضباط السوريين المنشقين، وبالطبع فإن الأمر يتطلب جدية أكثر، أي تحركا عسكريا حقيقيا من أجل وقف المجازر الأسدية، وليس التهويش فقط بالعمل العسكري. فمن شأن ذلك حينها إنهاء الأزمة بسقوط الأسد لتبدأ المرحلة الأطول، والأشق، وهي إعادة بناء سوريا ككل.

أما القول بإرسال قوات عربية، ولو وافقت مصر - كما نقل عن أحد مستشاري الرئيس المصري يوم السبت في تركيا - أو تونس، أو حتى جل الدول العربية، فإن ذلك أمر غير مجدٍ، ولن ينهي الأزمة الإنسانية في سوريا بالشكل المطلوب، فالمهم أن يكون هناك عمل دولي جماعي، وهو أمر ملح، ولعدة أسباب.

فمن ناحية، هناك كارثة إنسانية حقيقية، وهناك خطر على الكيان السوري ككل، بسبب جرائم قوات الأسد، بحق السوريين وتاريخ سوريا، وكل ذلك يحدث بدعم حقيقي من قبل روسيا وإيران للأسد بينما العالم كله يكتفي بالمشاهدة بلامبالاة غريبة، خصوصا أننا أمام جريمة لم تعرفها منطقتنا في تاريخنا العربي الحديث، حيث يقوم نظام مجرم بالعربدة بحق مواطنيه كما يفعل الأسد بالسوريين اليوم! والأدهى والأمر أن مستشار المرشد الإيراني يقول إن الأسد سينتصر على السوريين والعرب والغرب، وإن ذلك الانتصار يعد انتصارا لطهران أيضا، مما يعني أن القصة ليست قصة تدخل خارجي من عدمه بل هي قصة نظام عميل لإيران يريد حكم سوريا بالنار والحديد، وإفساد كل المنطقة، فلماذا لا يكون هناك عمل دولي حقيقي لاقتلاعه، خصوصا أن الأسد أسوأ من أسوأ نظام مر على منطقتنا؟

ولذا، فإن إرسال قوات عربية لسوريا أمر غير عملي، بل المطلوب هو تدخل دولي أوسع يكون العرب من ضمنه، ليكون تدخل حسم، وليس فرض أنصاف الحلول.

[email protected]