عالم صاخب ومفلس

TT

امتلأ العالم صخبا في الأسابيع الأخيرة بسبب نزاع بين الصين واليابان حول ملكية جزر غير مأهولة واقعة في مكان ما بين أراضي ثاني وثالث أهم دولتين اقتصاديتين في العالم. في لحظة أو غفلة، عاد كل شيء إلى قرون الحروب والاستعمار. وفي لمحة بصر، أو عمى، لم تعد هوية الصين في مسيرتها المذهلة (وليس سيرتها الكبرى) نحو صدارة الدول المتقدمة، بل في بضعة جزر لا يعرف أحد اسمها أو مكانها. وقد صرفت وزارتا الخارجية في الصين واليابان جهودا لا تصرف عادة على العلاقة مع بقية العالم، لكي تؤكد كل منهما «هوية» الجزر.

كان يُعتَقد أن التداخل الاقتصادي سوف يلغي حدة المشاعر القومية بين الأمم. لكنه لم يمنع الحرب العالمية الأولى في أوروبا. ولا هو يحول دون التوتر الآن بين العملاقين الآسيويين. وكان يُعتقد أن حلول الديمقراطية في المعسكر الشيوعي، سوف يغير في سلام الأرض، ولم يغير شيئا. وكان (وكنت) يُعتقد أن الرخاء واختفاء الفقر والتقدم الصناعي والفكري، سوف يخفف من غلواء الشوفينية العبثية بين الشعوب، لكن ها هو الإمبراطور الياباني والإمبراطور الصيني يشهران سيوف عصور الصخب والصراخ.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أعلن العالم الأميركي فوكوياما نهاية التاريخ، لكن شيئا لم ينته على ما يبدو: الديمقراطية ظلت ممارسة على الطريقة الروسية في موسكو وممارسة صينية في بكين. والوحدة الأوروبية التي كان يفترض أن تحقق أهم تجربة اقتصادية في التاريخ، تنوء تحت معدلات البطالة في اليونان وإسبانيا وحتى في دولة مثل فرنسا. وبسبب انتشار الفقر تنتشر من جديد حالات العنصرية وتعدد «الهويات» إلى القتال في صور كثيرة، أقبحها في اليونان، حيث يتعرض العمال الأجانب إلى الاضطهاد والقتل. لكن النماذج الحسنة لم تنعدم بعد؛ في هولندا تعمل سيدة مغربية للوصول إلى رئاسة البرلمان، على الرغم من تزايد الأحزاب العنصرية أو الانعزالية.

لكن الأمثولات يجب أن تأتي من الدول الكبرى لكي تكون ذات تأثير. لا يجوز أن تشكل تلك الجزر السقيمة مشكلة بين اليابان والصين. وإذا حدث لا يجوز أن تحل بمثل هذا الصراخ. فهو صراخ يشبه صوت كوريا الشمالية، التي تزرع في الداخل المجاعة والتخلف والرعب، ثم تطلق الصراخ على الجوار والصواريخ على اليابان، وتبتز الجميع بأقدم فنون الجلوزة. حتى في هذه لم تبذل جهدا كي تتقدم، فيما يسابق جنوبها الصين واليابان معا. فليحيا الزعيم المبجل.