تفجيرات بغداد درس ولكن..

TT

لم يمض سوى أسبوع تقريبا على تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن بلاده قد دحرت الإرهاب، والطائفية، إلا وهزت التفجيرات الإرهابية بغداد من جديد، ومعها عدة مدن عراقية أخرى في يوم أحد دام ذكر الجميع بأن الأمور لم تتغير، أمنيا، في العراق، منذ سقوط نظام صدام حسين.

وبالطبع، فإنه لا شيء يبرر العمليات الإرهابية في العراق أو غيره، إلا أن الوضع يتطلب تأملا، وبحثا في الأسباب، والدوافع، والحالة العراقية تقول لنا إنه مادام هناك تجاذب سياسي طائفي، وعملية إقصاء ممنهجة، وتغليب لطرف على حساب طرف بدوافع طائفية وآيديولوجية ضيقة، فإن آخر شيء يمكن أن يتوقعه المواطن في بلاده هو الأمن. وهذا ما يحدث في العراق اليوم، وهذا ما سيحدث في كثير من الدول العربية التي عصفت بها رياح التغيير العاتية. فالقصة ليست قصة إسقاط نظام وإحلال بديل عنه، وبنفس مفاهيم النظام الراحل، أو الساقط، أي الإقصاء. فالأهم، والأصعب، هو بناء دولة مؤسسات، وقوانين، وتحقيق متطلبات العيش المشترك، لتتحرك عجلة الاقتصاد، وتسير دفة التعليم، ويعم الأمن.. أما الإقصاء، فإنه لن يبني دولة أو مؤسسات في أي دولة كانت.

والمؤسف في الحالة العربية، وتحديدا العراقية، أن الإقصاء بات هو السمة المشتركة للأنظمة السابقة، والبديلة، وكأن أحدا لم يتعلم الدرس، فالإقصاء هو ما أوصل كثيرا من دولنا العربية إلى هذا المستوى من الصراع، والاهتزاز، الذي بات يهدد وجود الدولة بحد ذاتها. وإشكالية العراق هو رفض المصالحة، ورفض الاحتكام إلى شروط اللعبة الديمقراطية التي ارتضتها جميع الأطراف، والابتعاد عن المحاصصة الطائفية. ونقول «مؤسف» لأن النظام العراقي الحالي جرب كل الوسائل من أجل تعزيز نظام حكمه، ومصالحه الطائفية الضيقة، لكنه لم يجرب الأسهل من كل تلك الحيل، وهي المصالحة الحقيقية، والقبول بشروط اللعبة كما هي، وتطويرها مع الوقت، وهذا التطوير بالطبع يتطلب أمنا، واقتصادا.. بمعنى بسيط، تحسن الظروف المعيشية للمواطن لكي يكون منتجا، ويصبح الوطن كله آمنا.

ومن هنا، فإن درس العراق، وهو درس لجميع الدول العربية الخارجة من عواصف ما عرف بالربيع العربي، هو عدم الإقصاء، لأسباب سياسية، أو آيديولوجية، أو طائفية، وكذلك عدم الإمعان في الانتقام، وهذه للأسف سمة في جل دول الربيع العربي، حيث البلاغات الكيدية، وقوائم ترقب الوصول في المطارات، كما يحدث في مصر الآن مع بعض الشخصيات. نقول ذلك لأن التاريخ يقول لنا إن الدول التي خرجت من أزماتها الكبرى لم تصل إلى ما وصلت إليه من أمن وإنتاج، إلا بالتسامح، والمصالحة، والارتضاء بقواعد اللعبة المحددة، من دساتير، وأنظمة وغيرها، وعدم الإمعان في هزيمة الآخرين، فليس في ذلك انتصار، بل من شأن ذلك تأجيج الصراع بين أبناء الوطن الواحد.

ومثلما أن تفجيرات العراق الإرهابية مدانة، من دون شك، فإن الأداء السياسي في العراق مدان أيضا، حيث يتحمل مسؤولية كثير مما يجري هناك، وكان من الممكن تجنيب العراق والعراقيين شرور كل ذلك، فهل يعي حكماء العراق ذلك؟ وهل تأخذ دول الربيع العربي العظة مما يحدث في العراق لتجنب نفسها دربا طويلا شاقا من العنف، وعدم الاستقرار؟

[email protected]