هل يأتي طالباني اليوم بما لم يستطعه بالأمس؟

TT

من تعليق الآمال على خطة أو مبادرة لحلحلة الأزمة السياسية في العراق، نسبت إلى الرئيس العراقي جلال طالباني، يكون الاعتقاد بجدوى «ورقة الإصلاح» للتحالف الوطني في حكم التراجع، فكما أن مقترح عقد اجتماع وطني في حينه وللغرض نفسه، توارى أمام تلك الورقة، فإن الأخيرة بدورها مرشحة للاختفاء أمام الخطة موضوع البحث، ويساعد على اختفائها عد العديد من السياسيين «للورقة» وهما أو ضربا من الخيال. وليست مشاريع الحكومة التي تدعي الإصلاح وحدها انتهت إلى الإخفاق والتلاشي، بل ومشاريع المعارضين لها أيضا، التي من أبرزها «سحب الثقة» من المالكي، وقبله «اتفاقية أربيل» التي كانت لصالح ائتلاف «العراقية» السني، ومن ثم لصالح الكرد بعد إدراج مطالبهم الـ19 ضمن تلك الاتفاقية.

ولنعد إلى طالباني، الذي طال انتظار عودته من ألمانيا، ولم يقتنع المنتظرون بعجزه - يوم كان في صحة وعافية - في حمل الفرقاء على التوصل إلى تفاهم يكفل تخطي الأزمة؛ إذ سبق لطالباني أن استضاف في منزله أولئك الفرقاء أكثر من مرة، فمحاولات أخرى له ذهبت أدراج الرياح، ولم يأخذوا أيضا بمبدأ صياغة القاعدة من تكرار الحالة، وكيف أن الخذلان كان خاتمة لمساعيه وغيره كذلك. وبدلا من استخلاص الدروس منها والإقلاع عنها، فإنهم سرعان ما كانوا يعودون إليها. ولما كان الغموض يحيط «بورقة الإصلاح» إلى حد نفيها، فإن خطة طالباني لا تخلو أيضا من الغموض، وعليه، فإن مصيرها لن يكون بأفضل من المشاريع والخطط التي سبقتها ومن مصير أفكار ومشاريع المعارضين.. سحب الثقة.. اتفاقية أربيل.. إلخ. وهنا يكون القول «تجربة المجرب حماقة» قد انسحب بحذافيره على المتشبثين بتكرار الحالات أو تجربة المجرب.. تشبث الغريق بالقشة.

ووسط تعلق المعارضين للمالكي بالصيغ القديمة الجديدة العقيمة والمستهلكة، يبقى الوقت لصالح المالكي وكما كان، تعززه المحاولات لثنيه عن سياساته غير المرغوبة لديهم، وما يترتب عليه من تصدع في الصفين السني والكردي كحصيلة لكل إخفاق، والتي تجلت في أمثلة عدة منها الانشقاقات والانسحابات من «العراقية» السنية، وفي الجانب الكردي، حلت الخصومة بين حزبي السلطة والثلاثي المعارض لهما، وبقيت مستعصية على الحل إلى الآن، في حين ظل التحالف الوطني الشيعي على ثباته في المواقف وتماسكه اللافت، وهو ما لم نعثر عليه لدى معارضيه، و«يد الله مع الجماعة»، والأكثر استفادة كان ولا يزال هو حزب المالكي الذي بدأ رحلته السياسية مما يشبه نقطة الصفر، ليصبح بمرور الأيام القوة الأعظم من بين الكتل جمعاء، مقابل إحباطات وانكسارات في صفوف ممثلي المكونين الاجتماعيين: السني والكردي رغم أن مسيرة المالكي لم تخلُ ولا تزال من العقبات التي بدت محطات وقوف مؤقتة يتم تجاوزها في ما بعد بفضل الأداء الرديء لمعارضيه.

لما تقدم، فإن الصيغ الجديدة - القديمة لحل الأزمة العراقية لم تقدم بالأخيرة ولو خطوة واحدة إلى الإمام، باستثناء كسب مزيد من الوقت للمالكي كما أسلفنا والذي سيدوم لحين حلول الانتخابات التشريعية المقبلة، والتي سيخرج منها المالكي بمكاسب جمة تتيح له الانفراد بالسلطة بشكل أشد من الآن، ناهيكم بأن الصيغ، بما فيها خطة طالباني، سيكون لها فعل المخدر لكل الذين يناصبون المالكي العداء.

عودة إلى طالباني كرة أخرى، نرى المتفائلين بخطته يراهنون على حل الخلافات في إطار الصيغ نفسها التي أشرنا إليها. ولسنا ندري على ماذا يستندون في تفاؤلهم؟ هنا ربما ينبري بعضهم لمواجهتنا باتفاق بغداد - أربيل على الحل «المؤقت» لمشكلة النفط والغاز، وإمكان حل بقية المشكلات أو الأزمات الأخرى على خلفية ذلك، من غير أن يأخذوا بالحسبان أن الاتفاق ذاك حصل بفضل مقاومة الشركات النفطية العملاقة العاملة في كردستان لضغوط بغداد.

ولكي لا يفسر هذا الحدث على أنه هزيمة نكراء لحكومة المالكي أمام حكومة كردستان، فإن الأولى عدت الاتفاق نتاجا لإرادتها وتوخت من ورائه إظهار نفسها بمظهر المنتصر، واستخدامه على أنه حسن نية يشجع على إقبال الجميع على المشاريع الإصلاحية الوهمية للحكومة. دع جانبا القول إن من السهل التغلب على الخلافات في المجالات الاقتصادية والمالية؛ إذ رغم الخصومة المستفحلة بين بغداد وأنقرة، فإن المئات من الشركات التركية ما زالت تواصل أعمالها في العراق. وعلى خصوم المالكي الذين يطمحون إلى تنحيه بشتى الوسائل؛ ومن بينها المطالبة بإقرار قانون وبأثر رجعي يحول دون ترشحه لولاية ثالثة، ويأملون في أن تساعد خطة طالباني على ذلك، أن يعيدوا إلى الذاكرة مقولة طالباني الشهيرة: «لا بديل للمالكي إلا المالكي» التي ترجمت إلى ممارسة، حين انسحب «طالباني» من مشروع سحب الثقة.. وأمثلة أخرى.

وفوق هذا، فإن حزب طالباني صرح في بيان له أنه لن يقدم على الخطوة دون التنسيق مع حليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني، مما يعني أن إزاحة المالكي أو جعله يعدل عن مواقفه، أضغاث أحلام. لذا، حري بمعارضي المالكي، أن يلتفتوا إلى الأحداث على الأرض، وليس الانجذاب إلى الأوراق أو الخطط واللقاءات والاجتماعات، فالوقائع على الأرض بدلا من أن تشهد بناء للثقة أو حسن نية لدى الحكومة التي بيدها الحل لإصلاح ذات البين، شهدت النقيض: إصدار حكم الإعدام غيابيا على القائد السني البارز طارق الهاشمي، فعمليات تطويق للمدن السنية واعتقال الكثير من سكانها.. إلخ. وبالنسبة للكرد، فها هي تشهر سلاح عمليات دجلة وحشد العسكر في كركوك وزمار.. إلخ، مع ارتفاع أصوات لاستجواب بارزاني في البرلمان. وعلى وزن «السيف أصدق إنباء من الكتب» لأبي تمام نقول لمن يعولون على الخطط والأوراق وو.. إن الوقائع على الأرض أصدق إنباء من الاجتماعات والخطط والأوراق.. إلخ. فهل بمقدور طالباني الذي يحملونه أكثر مما بوسعه، أن يأتي بخطة جديدة بعد أن استنفدت كل الخطط؟ ويحضرني قول المعري إزاء السؤال ذاك:

وإني وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم تستطعه الأوائل

ورد عليه صبي بأن الأوائل أتوا بـ28 حرفا، فزد عليها ولو حرفا واحدا.

قطعا لن يتمكن أحد من ابتكار أية خطة، وقد استنفدت كل الخطط لمعالجة الوضع العراقي الميئوس منه.

* كاتب سياسي - العراق