الرعديد يتكلم

TT

هل من الغباء أو الخزي أن يعترف الإنسان بنقاط ضعفه أو حتى بسيئاته؟! عند البعض هذا مؤكد، وما أكثر الناس (المقرطسين) بالأزياء المزركشة وفوقها ورق (السوليفان) و(تحت السواهي دواهي). أما بالنسبة لي فبحمد الله ومنته وبعد أن قرأت اعترافات (جان جاك روسو)، أصبحت (وجه ابن فهرة)، مثلما يقول المثل النجدي القديم، فالذي في قلبي هو على لساني، والذي على لساني أسطره على الورق وأنشره أمام الملأ ولا أبالي، و(اللي ينزل من السماء تستلقاه الأرض) مثلما يقول أيضا مثلنا الحجازي الجميل.

وقد سبق لأحدهم أن (هذبني) - أي عايرني وتتريق علي - قائلا لي بتهكم: «أنت يا مشعل مثل ذنب العنز، دائما مرفوع على فوق ومكشوف»، والواقع أنني لم أفهم كلامه تماما، لكنني خمنت أن كلامه يقينا ليس في صالحي، ومع ذلك تبسمت له ابتسامة عريضة وكأنني أقول له: «شكرا على الإطراء»، فضحك هو من سذاجتي، أو بمعنى أكثر دقة، ضحك من هبالتي وصغارة عقلي.

وبما أننا بصدد الصدق والاعترافات، فلا بأس من أن أبوح لكم ببعض اعترافاتي أو نقاط ضعفي التي هي من النوع الخفيف، أما اعترافاتي التي هي من النوع الثقيل فسوف أرجئها إلى وقت لاحق عندما أشعر بأنني قاب قوسين أو أدنى من حفرة القبر العزيز، حيث لا ينفع يومها لا مال ولا بنون ولا حتى عشيقات ليل أو نهار، وأخشى ما أخشاه أن يكون ذلك اليوم الآن أقرب لي من حبل الوريد وأنا لا أدري.

ولكي لا يأخذني الخيال الواسع وأشطح بكم إلى ما لا تحمد عقباه لا بد أن أكون مضطرا إلى أن أربط حمار خيالاتي الجامح قائلا له بكل تواضع وأدب (أش يا حمار).

أعود إلى تعداد نقاط ضعفي الهزيلة التي قد يسخر البعض منها، لكنها بالنسبة لي عظيمة جدا، لهذا أرجوكم (خذوني على قد عقلي)، فمنها مثلا:

أنني أرتعب من الضجيج، والضجيج الذي أقصده ليس هو تفجير القنابل لا سمح الله، لكنه لعلعة الأصوات، وكذلك يقشعر بدني و(تتصافق) ركبي من الارتفاعات العالية، وأيضا أخاف من الظلام الدامس ودخول المقابر، وقد يغمى علي لو أنني شاهدت قطرة دم واحدة حتى لو كانت تطفر من إصبعي، وهذا لا يعني أنني إنسان (فراجيل) سريع الكسر (كالكريستال)، لكنني بكل أمانة: أنا في الهريبة كالغزال.

غير أن ما شد من أزري هو ما قرأته بالأمس القريب عن حياة الشاعر الألماني (غوته) وكانت له تقريبا نفس نقاط ضعفي مع الفارق بين (الإبل والغنم)، وقد آخذ العبرة منه يوما ما، فيقال إنه كان يمقت الصخب والضجيج، فصار يرافق الجنود في استعراضهم العسكري، وكان يصاب بالدوار إذا نظر من عل، فصار يصعد إلى برج من كاتدرائية (ستراسبورغ)، ويعود نفسه النظر من حالق، وكان يشعر أحيانا بخوف وذعر، فطفق يزور المقابر في الليل وحيدا، وكانت أعصابه ضعيفة واهنة بحيث كان لا يستطيع أن يرى إصبعا مجروحة، فشرع يذهب إلى المستشفيات ويشهد العمليات الجراحية الكبيرة.

وبعدها تغلب هو على نقاط ضعفه ويا بخته، ويا (حليله).

فمتى ستفهم (أيا جملا من الصحراء لم يلجم)؟! متى ستفهم أيها الرعديد؟!

[email protected]