دائرة الشكوى

TT

للمرة الأولى في الذاكرة تبدو أميركا دولة شاكية وليست الدولة الكبرى المشكو منها. الفيتو يحد مواقفها السياسية وليس كالعادة مواقف سواها. لقد ترك جورج خلفه دولة مثخنة بأعمق جروح مالية منذ الكساد الكبير أوائل القرن الماضي، كما ترك دولة مكبلة بالعقد العسكرية: في العراق أسرت صدام حسين لكنها أعطته لنوري المالكي، وفي أفغانستان تفاوض طالبان وتستعد للخروج، فيما تهيئ كرزاي للعودة إلى روما، حيث عاش آخر أيام المنفى.

تحولت المحنة السورية، في بعدها الدولي، إلى امتحان صعب للمحدودية الأميركية.

دبلوماسيا، القوة الأميركية في الأمم المتحدة يشلها الرئيس الطائر فلاديمير بوتين، ولا يفيدها الإجماع العربي في شيء (ولا يفيد نفسه طبعا). ومن حيث مظاهر القوة يغتال القذافيون سفيرها في بنغازي ويشنعون فيه كما حدث للقذافي نفسه.

لم تعد هناك قوة أميركية «على الأرض»، تدخل و«تعتقل» رئيس بنما، بل هناك قوة من «الدرونز» التي، لولا قدرتها على القتل، لبدت مثل أفلام ديزني ولعب الأطفال. غير أن «الدرونز» لا تكفي للإبقاء على صورة الدولة الإمبراطورية التي تطارد صدام حسين في حقول العراق، أو تقطع القمح عن ميخائيل غورباتشوف، أو تهاجم جزيرة «غرينادا» بطائرات الأباتشي.

لم يفد اغتيال أسامة بن لادن كثيرا في حملة باراك أوباما. فقد تكاثر بعده ظهور «القاعدة» في غير مكان. وربيع الديمقراطية حمل في الغالب عربا لا يعترفون بها ولا يريدونها أساسا للحكم. وفي سوريا أخفقت أميركا في تحقيق ما كانت تعد به، مخيبة آمال حلفائها، ومتسربلة مع تركيا في طريق مسدود وأزمة مفتوحة.

تنبسط هذه الصورة السياسية عشية انتخابات يخوضها رئيس ديمقراطي جذوره إسلامية أفريقية، ومرشح ينتمي إلى طائفة «المورمون» الواقعة بين المسيحية واليهودية. ولا تبدو المحنة السورية قضية انتخابية بل وضع القدس كعاصمة لإسرائيل وسعي ميت رومني إلى الحصول على عضوية الليكود أو كديما. وفي لوحة تتراجع فيها أميركا ومعها أوروبا، وتندفع روسيا ومعها الصين، تبدو مأساة سوريا مرشحة للتفاقم حسب تعبير الإبراهيمي. أي.. للأسوأ.