هل تحول الربيع العربي فجرا كاذبا؟

TT

هل خبا وهج الربيع العربي، بعد عام ونيف من طلوع فجره؟ أم أن المتخوفين منه نجحوا في تشويه صورته؟ أم أن الذين «اختطفوه» انحرفوا به عن الطريق الذي يلبي أماني من صنعوه بانتفاضتهم ومظاهراتهم؟ أم هل كان الربيع العربي - في النتيجة - فجرا كاذبا؟

هذه التساؤلات ما كانت لتطرح لو لم تتماد الثورة في سوريا وتتحول إلى شبه حرب أهلية، أمام عجز المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية عن إيجاد حل أو مخرج لها، وأيضا لو لم تحدث ردات الفعل الشعبية العنيفة على الفيلم الحقير في بعض العواصم العربية والإسلامية التي أحرقت سفارات وقتل فيها دبلوماسيون غربيون، ولو لم تندلع نزاعات وصراعات بين قاطفي ثمار الربيع العربي، من إسلاميين وسلفيين ومدنيين ديمقراطيين.

ولا يرد على ذلك بأن كل الثورات في العالم والتاريخ مرت بمثل ما تمر به مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا أي بمرحلة انتقالية تتناحر وتتخبط فيها القوى والتيارات السياسية الجديدة. ذلك أن العالم في مطلع هذا القرن الحادي والعشرين يختلف كثيرا عن عالم القرن التاسع عشر والقرن العشرين. إنه عالم الإنترنت والفضائيات التلفزيونية والعولمة الاقتصادية والمالية. أي عالم تترابط فيها مصالح الدول ومصائر الشعوب بشكل واضح ووثيق بحيث إن ما يجري في القاهرة ودمشق وطهران يؤثر مباشرة على واشنطن وموسكو ولندن وباريس. والعكس صحيح أيضا. وبالتالي فإنه ما من دولة - كبرى أم صغرى - باتت قادرة على تحمل الانعزال عن العالم أو عدم التدخل بشكل أو بآخر في ما يؤثر عليها من شؤونه. وهذا بدوره أوجد ما نسميه بـ«المجتمع الدولي»، وأضعف كثيرا مفهوم «السيادة الوطنية».

لقد بدأت العواصم الغربية تتساءل عن حقيقة اتجاه الأنظمة العربية والإسلامية الجديدة منها. هل ستستمر في اتباع سياسة «التحالف» التي كانت الأنظمة السابقة تتبعها، أم أنها بحكم خطابها السلبي السابق وتجاوبا مع مشاعر جماهيرها، سوف تدخل في صراع مكشوف وعدائي معها؟ لقد أجاب الرئيس المصري على هذا السؤال بقوله «لا عداء للغرب ولكن لا تبعية». إنه موقف حكيم وذكي، ولكن ترجمته على أرض الواقع ليست سهلة أمام بعض الاستحقاقات السياسية والاقتصادية. ومنها العلاقات المصرية - الإسرائيلية والمساعدات الأميركية والدولية لمصر.

وعلينا أن لا ننسى الدول والقوى التي ترى في الربيع العربي خطرا عليها. وفي مقدمتها إيران وإسرائيل وروسيا. فهذه الدول - وغيرها أيضا - لا يسرها أو يناسبها قيام علاقات ودية أو تحالف بين الغرب، والعرب والمسلمين. كما لا يسرها أو يناسبها قيام أنظمة ديمقراطية أو إسلامية في العالمين العربي والإسلامي تنتقل «عدواه» إليها. وإلا كيف نفسر موقف موسكو الداعم للنظام السوري؟ والموقف الإسرائيلي «الغامض» مما يجري في سوريا؟ وموقف إيران المتناقض من الثورات العربية؟

في مطلق الأحوال لا بد للدول العربية، أيا كان نظام الحكم فيها، من أن تتمسك بهويتها القومية العربية، المكرسة في جامعة الدول العربية، وبالتالي أن تحاول من خلالها حل مشاكلها، على الرغم من المحاولات الفاشلة الأخيرة في معالجة المحنة السورية. فصعود المد السياسي الإسلامي يحب أن يعزز الهوية العربية لا أن يضعفها أو أن يكون بديلا عنها. ولا شك في أن توحيد ما يمكن توحيده من الصفوف والمواقف بين الدول العربية سيكون له وزنه على الصعيد الدولي.

قد يرى البعض في ما ندعو إليه سذاجة وطوباوية. ولكن هل ترك الأمور تجري في أعنتها والتشاطر على بعضنا البعض وتنظيم المظاهرات وحرق السفارات والأعلام الأميركية والإسرائيلية سوف يحمل إلى الأجيال العربية الطالعة العلم والعمل والحرية؟ صحيح أن الأنظمة العربية السلطوية التي سقطت قد فشلت في تحقيق أماني شعوبها وأنها كانت تتذرع بـ«الأخطار الخارجية» لكي تحرم شعوبها من الحرية والكرامة. ولكنها حافظت - على الأقل - على الوحدة الوطنية والهوية القومية العربية. وما نخشاه اليوم هو أن تؤدي الأنظمة الجديدة - لا سيما إذا خرجت عن طريق الديمقراطية - إلى تفتيت العالم العربي أكثر مما هو مفتت وإلى تقسيم كيانات الدول القائمة؛ وهي كيانات تشد أواصرها الوطنية وتهددها الولاءات الدينية والطائفية والمذهبية بالتقسيم.

لقد صفق العالم للربيع العربي واعتبر انتفاضات الشعوب العربية ظاهرة تاريخية مهمة على غرار الثورات الكبرى التي عرفها التاريخ. ولكن هذا التصفيق بدأ يخف ويفتر وترتفع في الأجواء أسئلة وعلامات تعجب واستفهام كثيرة. كما توقف عداد التاريخ عند ما يجري في سوريا من صراعات داخلية وإقليمية ودولية. وما لن تحسمه نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة ولا ضربة استباقية إسرائيلية على المفاعل النووي في إيران.