مرسي والقروض

TT

اتخذت الأنظمة العربية التي ظهرت في الخمسينات ثم الستينات لنفسها لقب الثورة، مع أنها جاءت جميعا في انقلابات عسكرية، لكن ذلك كان المناخ الآيديولوجي السائد في العالم، يحركه، أو يعضده، الاتحاد السوفياتي. وبسبب هذا الدور وذلك المناخ اتبعت الأنظمة الجديدة لنفسها أيضا المفهوم الاشتراكي، وأضاف بعضها الاشتراكية إلى ألقابه، ومع أن القذافي أوجد للعالم نظرية ثالثة تريحه وتسعده، فقد أبقى الاشتراكية ملحقة بالجماهيرية.

لا يمكن عزل المتغيرات عن مناخها العام، والعالم الثالث يومها كان يقلد الشرق نكاية في الغرب الاستعماري، وكان السوفيات قد هزموا، بالتحالف مع الغرب، أقوى ظاهرتين في العالم، الفاشية والنازية، وبعكس الشيوعية التي جاءت عبر الثورة، جاءت الفاشية في إيطاليا، والنازية في ألمانيا عن طريق الانتخابات والبرلمان.

والثورات العربية الحالية جاءت عبر الطريقين: الثورة، ثم الاقتراع، وهي لا تزال تبحث عن شكل النظام الذي سوف تتخذه للتعاطي مع العالم الداخلي والخارجي على السواء، وأول خطوة في طرح الموضوع كانت في قبول مصر قرض البنك الدولي، فهناك من اعترض على أساس أن القرض ربا، وفي الوقت نفسه فإن هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة لإقامة مشاريع تطويرية، خصوصا إزالة «مدن الأموات».

كيف تحصل مصر على ما تحتاجه من قروض، وكيف في الوقت نفسه تجد لذلك تفسيرا غير خلافي، وسوف تطرح هذه المسألة أيضا في تونس، وسوف ترى دولة مثل مصر نفسها وقد مرت خلال نصف قرن في جملة أنظمة متعارضة تماما ما بين الاشتراكية المتشددة والانفتاح والرأسمالية، والآن التنظيم الاقتصادي والاجتماعي وفقا لرؤية «الإخوان».

ليست التحولات سهلة في دولة في حجم مصر وفي حجم اقتصادها، وإثارة مسألة الربا هي أول تحد جدي في وجه الرئيس محمد مرسي، بعد حوادث سيناء الأولى ثم حوادث رفح، فحجم التحديات، عفوية أم منظمة، كبير جدا على فترة المائة يوم الأولى، وإن لم يكن في حجمها ففي طبيعتها، لأنها جميعا تحديات للرجل «كإخواني» وليس كرئيس، والقائمون بها يريدون إحراجه أمام مناصريه وأمام خصومه معا، في حين أن الرجل – ومعه مصر – في حاجة إلى كل ساعد.