أرض المخيمات

TT

أين تقع حدود القسوة في السياسة؟ لا حدود لها، ما هي السياسة؟ هي علم تبرير الكارثة؟ من هم السياسيون؟ هم الذين، باسم الشجاعة، يتجاهلون أسوأ أنواع الجبن، هم الذين باسم الجرأة يزرعون الخوف في عقول الأطفال وقلوب الأمهات.

أتطلع في المخيمات الموحلة في تركيا والأردن ثم أسمع الكلام الذي يقال في الأمم المتحدة: لا كلمة عنهم، يقرأ بان كي مون خطابا باسم العالم، ولا يأتي على ذكر العجوز الذي لم يستطع العثور على طبيب، والطفلة التي تركت لعبتها في إدلب ولا تزال تأمل في العثور عليها، ولا وقت لتوزيع الألعاب في المخيمات، بالكاد شيء من الطعام والأدوية الشديدة الضرورة، والعالم يبحث في المكاتب «الوضع في سوريا».

يسميها العالم «منطقة الشرق الأوسط»، لكنها أرض اللاجئين وعويل الأطفال؛ منطقة تعيش على أبواب مؤسسات الإغاثة وأعتاب الوسطاء، تستهلك أكبر كمية من قماش الخيام وأوتاد الخيم، ويلهونها بالأسماء الكبرى والكلمات المعقدة: استراتيجية، تحولات، صراعات، وكلها كلمات لها تفسير واحد في أرض الشرق الأوسط القديم والمتوسط والجديد: العذاب والموت وطعم الرماد.

يستخدم السياسيون والصحافيون كلمات بليدة من قاموس أجدادهم، أو يخترعون كلمات مركبة سقيمة لا معنى لها، وألوف البشر في المخيمات يرتعدون خوفا من بلادة البشر وفكر التماسيح. مليئة هذه الأرض بالمخيمات والفزع، من بلاد السمن والعسل إلى بلاد المن والسلوى.

والسياسيون يبحثون الأمر، لكن كل قضية عربية تدخل المخيم ثم لا تعود تخرج منه، وسرعان ما تتحول المخيمات إلى وطن بديل للوطن وأرض بديلة للأرض، والسياسيون يتداولون كلمات كبيرة كالاستراتيجية والدفاع والحرب، ولكن الحرب من أجل مَن وبسبب مَن؟ لماذا يفر مئات آلاف السوريين ونحن لا نقدم لهم سوى التحاليل عن الشرق الأوسط الجديد، ولماذا يسمى أهل المخيمات إرهابيين من فلسطين إلى العراق مرورا بسوريا؟ لماذا اعتدنا المخيمات وبأنها جزء من التاريخ والجغرافيا وأخلاق السياسة في الشرق الأوسط، القائم أبدا في قلب الخراب وعلى أطراف الإنسانية؟ ما هذه السياسة التي لا تلحظ أعداد القتلى وكميات الرماد والخيام التي أرضها تربة موحلة؟