التوظيف القضية الأكبر

TT

التوظيف والبطالة يظل الموضوع الأول تقريبا في كل دول العالم، هم الحكومات، ومقياس نجاحها وفشلها. وإلى قبل سنوات قليلة لم تكن الوظيفة قضية في دول مثل السعودية، أما اليوم فهي الموضوع الأول والأكثر تفجرا. ولأن الحكومة هي الحاضن الأكبر تصبح المسؤولة الأولى كذلك عن الحل عن المشكلة.

وقد يبدو غريبا عندما لا يجد آلاف الشباب وظائف في بلد هو الأول في صادرات النفط في العالم، لكن هذه هي الحقيقة الموجعة اليوم وهي المشكلة الأخطر غدا. والمشكلة مردها أسباب عدة، أولها سوء التعليم بمخرجاته التي لا تؤهل الشباب للعمل الميداني، وثانيها تزايد السكان بشكل هائل جدا، حتى إن نحو ستين في المائة منهم تحت سن الثلاثين. والثالث سوء الإدارة الحكومية لمقدراته وسوء تخطيطها المستقبلي. وهذا سهل إثباته حيث يوجد فيه نحو ستة ملايين عامل أجنبي وعشرات الآلاف من مواطنيه بلا وظائف!

ومع أن النقاش حول هذا الموضوع متشعب ومعقد ولا يكفي فيه إطلاق التهم والحلول السهلة، لكن يمكن بسهولة أن تتدحرج المشكلة بضخامة وسرعة أكبر من قدرات وسرعة حركة الحكومة، وستجد نفسها غدا في مأزق خطير.

ما الذي يمكن أن يعمله المواطن الخليجي في دولة يعتقد أهلها أنها غنية، طبعا كلمة «غنية» مسألة نسبية لأن بقالات «وول مارت» الأميركية لوحدها، مداخيلها ضعف مداخيل السعودية. أيضا، يمكن أن نقول على الجانب الآخر، إن مداخيل السعودية تعادل ثلاث مرات مداخيل حكومة مصر، التي سكانها ثلاث مرات أكبر من السعودية.

العبارات المتكررة تستحق المراجعة، مثلا، «إنهم لا يرغبون في الأعمال البسيطة». حقيقة أو انطباع عام قد لا يكون صحيحا. وهناك من يقول «إنهم غير مؤهلين للعمل»، وهذا عذر أسوأ لأنها مشكلة الحكومة المسؤولة عن تعليمهم وتأهيلهم، المواطنون هم فقط المنتج النهائي! ومن المؤكد أن القطاع الخاص لا يحتمل دفع مرتبات كبيرة لأن ذلك سيسبب ارتفاع أسعار منتجاته وغضب المستهلك السعودي، وهكذا.

وقد أثارني نقاش غير مباشر، حيث كتب قارئ ردا على تصريح لأحد مسؤولي الصندوق الدولي كان في زيارة للسعودية. أولا هذا ما قاله المسؤول، «سوق العمل في المملكة - كما هي الحال في البلدان الأخرى في الخليج - ذات طابع فريد إلى حد ما، من حيث الأعداد الكبيرة للعمالة الوافدة. فمعظم اليد العاملة الوافدة تعمل في وظائف تعاني من نقص العمالة السعودية في الأصل، وبالتالي لا تعتبر منافسا مباشرا للمواطنين السعوديين».

أبو مقص، قارئ، الأرجح أنه اسم مستعار، رد في موقع «أرقام» الإلكتروني على الخبير الدولي قائلا، «إلى قبل أربعة عقود، وفي ظل النفط كانت هناك مهن حكرا على السعوديين حتى في ظل وجود عمالة أجنبية، والآن انعكست الآية فأصبحت حكرا على الأجانب في ظل وجود بطالة محلية، هل تريد أمثلة؟ مهنة بائع، مهنة سائق (شركة، تاكسي، شاحنة، معدات ثقيلة.. الخ) مهنة مزارع، بالإضافة إلى معظم المهن اليدوية: قصاب، بناء، حداد.. الخ. وزير البترول الحالي بدأ بوظيفة فراش / ساعٍ في (أرامكو). وزير سابق كان أبوه سباكا.. المشكلة أيها الخبير تكمن في الأجور ولو فتح باب الاستقدام في أوروبا وأميركا كما هو عندنا على مصراعيه لأصبح 90% من الأوروبيين والأميركان عاطلين عن العمل.. لو أعطي السعودي نفس الأجر الذي يأخذه جامع القمامة في نيويورك لتنافسوا عليها».

شرح المعلق السعودي بأفضل ما يمكن مكمن المشكلة، إدارة سوق الوظيفة للقطاعين. ومع أن هناك من سيختلف معه متعللا بأن السعوديين اليوم هم غير السعوديين بالأمس، سيرفضون الأعمال البسيطة مهما رفعت أجورها. وأنهم لو قبلوا ورفعت الأجور إلى مستوى مرتب جامع القمامة في نيويورك لصارت تكلفة المنتجات عالية وأسعارها لا تطاق، فمن ذا الذي سيبني بيته بضعفي سعر البناء اليوم مثلا؟!

أنا أكرر ما سبق أن كتبته قديما، أن في منطقتنا حكومات محظوظة، والخليجية نموذج لها، تأتيها مداخيل من السماء بلا جهد، والوضع يمكن إصلاحه. وهذا لا يمكن أن يقال لحكومة اليمن؛ بلد فقير وبلا موارد، وكذلك مصر بقليل من الموارد وكثافة في السكان، فهؤلاء مهمتهم شبه مستحيلة.

[email protected]