الملف، أو السجل، الطبي Medical Record، للمريض الوثيقة الصحية الشخصية الوحيدة لأي إنسان. ولا تزال الأوساط الطبية ومقدمو الرعاية الصحية في مناطق واسعة من العالم متأخرين جدا، وربما بقرون عن مناطق أخرى من العالم، في نوعية إعداد الملف الطبي للمريض ومستوى العناية بتكوين محتوياته. ناهيك عن وضع وتطبيق ومتابعة تنفيذ الضوابط المشتملة على حقوق وواجبات كل من المريض ومُقدمي الرعاية الصحية له حول العناصر الصحية والقانونية والاجتماعية المتعلقة بالملف الطبي ومحتوياته. وناهيك أيضا عن تطوير علاقة المريض بشكل مباشر مع محتويات ملفه الطبي، وصولا ربما في المستقبل إلى تعليم المريض كيفية إضافته للملاحظات التي تتعلق بحالته الصحية وتوثيق شكواه منها، كي يسهل على الأطباء الاستفادة منها في معالجته، أي الوصول إلى «شراكة المريض» للطبيب في صناعة الملف الطبي الخاص بالمريض.
وفي بعض مناطق العالم، كالولايات المتحدة تُوجد هيئات صحية مستقلة تتولى «العناية» بالجوانب المتعددة الأهمية المتعلقة بالملف الطبي للمريض. و«الجمعية الأميركية لإدارة المعلومات الصحية» American Health Information Management Association (AHIMA) على سبيل المثال هي منظمة وطنية غير ربحية مكرسة لضمان قيام مرافق تقديم الرعاية الصحية بالإدارة الفعالة للمعلومات الصحية الشخصية للمرضى واللازمة لتقديم رعاية صحية عالية الجودة لهم. وهي تضم أكثر من 60 ألف عضو من المهنيين المتخصصين في إدارة وحماية المعلومات الصحية الشخصية والسجلات الطبية في المستشفيات والعيادات، أي ضمان أن تكون جميع المعلومات التي تم جمعها وتدوينها وتوثيقها عن المريض هي بالفعل كاملة ودقيقة، والعمل على حمايتها وأن تكون متاحة للأطباء بسهولة وسرعة حال الحاجة إليها.
كما توجد إجراءات مُقننة للحفاظ على خصوصية الاطلاع على محتويات الملف الطبي الخاص بالمريض، وأولى الخطوات في هذا الأمر تبدأ من إلزام مُقدم الرعاية الصحية إعطاء المريض في أول زيارة لأحد مرافق تقديم الرعاية الصحية «إشعار ممارسة الخصوصية» الذي يُخبر المريض كيف سيتم استخدام المعلومات الصحية الخاصة به أو تحت أي ظروف يُمكن الكشف عنها.
وصحيح أن من حق المريض، عبر تقديم طلب لذلك، الحصول على نسخة ورقية من التقارير الطبية الخاصة به وبقية المعلومات الصحية المتعلقة به كالأدوية واللقاحات والعمليات الجراحية ونتائج التحاليل الطبية وغيرها المتعلقة به، إلا أن فتح الطريق المباشر لاطلاع المريض في أي وقت يشاء على الملف الطبي لا يزال غير متاح ولا يزال من غير المعلوم مدى جدوى ذلك وتأثيراته على صحة المريض.
وضمن عدد أول أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة «حوليات الطب الباطني الأميركية» Annals of Internal Medicine نشر الباحثون من مركز بيث الطبي في بوسطن نتائج دراستهم حول التأثيرات الإيجابية لإتاحة الفرصة للمرضى عبر الإنترنت لقراءة ومراجعة مدونات طبيب الرعاية الأولية الذي يراجعونه. وذلك ضمن البرنامج التجريبي لـ«الملف المفتوح» OpenNotes والذي شمل 105 أطباء رعاية أولية وأكثر من 13 ألف مريض يُتابعون لديهم. وخلال فترة عام من عمر البرنامج، اطلع نحو 90% من المرضى على ملفاتهم الطبية عن طريق الإنترنت. وضمن نتائج الاستبيان المرافق للدراسة، أفاد معظم المرضى أن إتاحة الفرصة لهم لقراءة مدونات الطبيب عنهم أعطاهم رغبة وقدرة أكبر على العناية بأنفسهم صحيا وساعدهم على الالتزام بتناول أدويتهم بحرص أكبر.
وعلى الرغم من أن ثلث المرضى أبدوا تساؤلات حول كيفية ضمان سرية المعلومات الخاصة بهم وهي على الإنترنت، فإن 99% منهم أفادوا برغبتهم أن يستمر هذا البرنامج في إتاحة الفرصة للاطلاع على ملفهم الطبي. من جانبهم، لم يُبد غالبية الأطباء انزعاجهم من توفير مدوناتهم لاطلاع مرضاهم، ولم يُبد أي من الأطباء رغبته في وقف هذا البرنامج.
وعلق الدكتور توم ديلبانكو، المشارك في الدراسة من المركز الطبي في بوسطن، بالقول: «لقد سُررنا بما تعلمنا من الدراسة هذه، ولم يكن لدينا أدنى فكرة أن كل هؤلاء المرضى يرغبون في قراءة مدونات أطبائهم في ملفاتهم وأنهم سيُجرون تغيرات في العناية الصحية بأنفسهم».
إحدى المريضات البالغة خمسين سنة من العمر علقت بالقول: «أحب جدا أن أتمكن من رؤية مدونات طبيبي للرعاية الأولية عني، وشعرت أن وجود وسيلة تمكنني من ذلك هو شيء رائع لإبقائي على علم بما يحصل في صحتي وما هي القرارات التي على اتخاذها». وأفادت جان والكر، الممرضة المشاركة في الدراسة، بفكرة متقدمة جدا حينما قالت: «حتى لو لا تتوفر وسيلة تقنية لإتاحة الفرصة للمرضى الاطلاع على ملفهم الطبي إلكترونيا، فإنه بالإمكان إرسال رسالة بريدية للمريض تحتوي نسخة مطبوعة من تقرير زيارتهم للطبيب، والفكرة هي جعل معلومات الملف الطبي بين يدي المريض».
والواقع أن هذه ليست التجربة الوحيدة، بل الأولى منذ بضعة أعوام كانت في مركز أم دي أندرسون للسرطان M.D. Anderson Cancer Center في هيوستن بتوفير برنامج «Yطلاع شبه كامل» للملف الطبي nearly - full medical records. وهو ما علق عليه الدكتور توماس فيلي، رئيس قسم التخدير بالمركز، قائلا: «ليس هناك جانب سلبي للأمر، والمرضى لا يُصيبهم قلق جراء إتاحة الفرصة هذه لهم، والأطباء يرونه يُعطي مزيدا من الثقة مع مرضاهم».
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض