أعمال خيرية!

TT

أعلن الأستاذ رامي مخلوف أنه قرر تكريس ثروته للفقراء، والتخلي عما جمعه كـ«رجل أعمال» من مال وعقارات.

وكان السوريون قد ضحكوا كثيرا عندما سمعوا نكتة مماثلة أطلقها الأستاذ رامي، عندما قال إنه سيبيع حصته من أسهم شركة «سيرياتل»، التي تبلغ 40 في المائة منها، فتبين لهم أن الأسهم ليست ملكه، وأنه ملزم بردها إلى الدولة أوائل عام 2013 دون أي مقابل أو تعويض، فقرر إذن بيع ما ليس ملكه، والاحتيال على المواطنين ببيعهم أسهما تملكها الدولة، ضاربا بذلك عصفورين بحجر واحد: تشليح الناس مبالغ هائلة من أموالهم، وزجهم في مشكلات مع الدولة التي ستلاحقهم حتما لأنهم اشتروا ممتلكات تخصها عليهم بالتالي إعادتها إليها.

وكان السيد مخلوف قد استولى على أموال الدولة طيلة ما يزيد على خمسة عشر عاما، عندما امتنع عن تنفيذ العقد الذي وقعه معها، وينص على تحويل أرباح شركة «سيرياتل» الصافية إلى خزينتها، فإذا بالمحسن الكبير يقدم موازنات تبين أن الشركة لم تربح غير خمسة ملايين ليرة سورية، أي مائة ألف دولار أميركي سنويا، أو تؤكد أنها خاسرة، وأن على الدولة تقديم الدعم لها، أي لجيبه الخاص. وكان الدكتور عارف دليلة قد عقد مقارنة بين شركتي الجوال السورية واللبنانية، وقال إن لدى الأولى ثمانية ملايين مشترك، ولدى الثانية مليونان، وإن الأخيرة تربح ملياري دولار سنويا، في حين تربح شركة مخلوف مائة ألف دولار فقط لا غير، طبقا لحسابات مالية موثقة يفبركها له محاسبون ماليون والمسدس على رؤوسهم، بالنظر إلى أن السيد مخلوف يملك في مقره الرئيسي في حي المزة سجنا تحت أرضي يديره عميد متقاعد اسمه علي جابر، يتولى إدارة «الحوارات» المالية والاقتصادية الديمقراطية مع من يريد رامي مخلوف ابتزازهم أو تشليحهم أموالهم وممتلكاتهم.

لا عجب أن أي سوري يستطيع حكاية عشرات قصص الاحتيال على الناس وابتزاز الدولة، التي قام بها رامي وأبوه محمد مخلوف، حتى إن السوريين رووا نكاتا عنهما تقول إحداها: «الإنسان في سوريا إما مخلوف أو مخالف»!.. بمعنى أن من ليس من أسرة مخلوف فهو مخالف ويلاحق من قبل أجهزة مخلوف القمعية المتداخلة مع أجهزة الدولة تداخله هو مع أولاد عمته آل الأسد، الذين يقال إنه ليس غير خادم عندهم يدير أعمالهم وأموالهم مقابل عمولة، وإنه ليس غير السطح الخارجي لجبل الجليد اللصوصي الذي يخفي تحته جبالا من الأموال، يهربها إلى خارج البلاد إن أراد هؤلاء، ويعيدها وينقلها من مكان لآخر إن أمروه، ويوظفها بأسماء سرية أو وهمية في مصارف متخصصة في تبييض الأموال، تتركز غالبا في ما يسمونه الجنات الضريبية في جزر المحيطين الهادي والأطلسي.

وكان المحسن قد أسس جمعية خيرية سماها «البستان»، لعبت دورا كبيرا في تجنيد الشبيحة خلال الأزمة الأخيرة، وابتكرت طريقة إنسانية جدا لتقديم العون للمحتاجين، فقد ساعدت شبانا صغارا ويافعين على التخلص من حياتهم، عندما وقعت معهم «عقود عمل» تمنحهم مائتين وخمسين دولارا في الشهر مقابل العمل لديها في أي وقت من أوقات الليل والنهار، وفي أي منطقة يختارها المحسن، والالتزام بتنفيذ أي أمر يصدره إليهم. هكذا سقط شباب كثيرون قتلى بعد أن زج بهم في قتال ضد مواطنين سوريين مثلهم، مع أنهم لا يعرفونهم وليسوا غالبا من مناطقهم وليست لديهم أي مشكلات أو خلافات معهم، علما بأن المعونة كانت تنقطع عن الأهل بمجرد موت أولادهم، الذين استغل المحسن جوعهم وفقرهم واشترى حياتهم بأبخس ثمن، وأرسلهم إلى الموت بدم بارد دفاعا عن نظام لم يرحمهم يوما أو يعمل على حل أي مشكلة من مشكلاتهم، لكنه أفاد من بؤسهم الذي يتحمل هو مسؤوليته الرئيسية كي يجبرهم على التضحية بأنفسهم من أجل حمايته!

قبل عشرين عاما لم يكن يوجد بين رجال الأعمال شخص اسمه محمد مخلوف، والد السيد رامي، الذي كان مدير شركة حصر التبغ والتنباك، صانعة السجائر السورية وبائعتها داخل سوريا وخارجها. كيف صار محمد مخلوف مليونيرا؟ كانت سجائر الحمراء السورية تباع في الأسواق العربية بنصف ليرة سورية للعلبة الوحدة، لكنه لم يكن يصدر السجائر المرغوبة، بل كان يزور سجلات تثبت أنه صدرها، بينما كان يبقيها في السوق السورية، حيث تباع بخمس ليرات سورية، وتحقق كل علبة ربحا صافيا يذهب إلى جيب المدير النشيط قدره أربع ليرات ونصف الليرة، أو ما يعادل تسعة أضعاف سعرها في السوق الخارجية. بهذه الطريقة، حول الأب مؤسسة حكومية إلى ملكية خاصة، وسخر مئات آلاف الفلاحين للعمل في خدمته، فكان يحصل على تبوغهم بأبخس الأثمان ويبيعها في السوق الأوروبية بأضعاف ثمنها الداخلي، ويضع عوائد السجائر التي يصنعها منها في جيبه وجيوب آل الأسد.

ما إن ورث رامي مواهب أبيه وتلقى تكليف أسرة خاله (حافظ الأسد) بأن يصير «رجل أعمال»، حتى انقض على الاقتصاد الوطني نهبا وسلبا، ولعل أفظع الفضائح التي تقترن باسمه تتجلى في قيام بشار الأسد بالموافقة على بيعه 569 كيلومترا مربعا بين قرية عدرا ومطار دمشق الدولي بسعر 19 ليرة سورية للمتر الواحد. بعد شهر واحد من الإعلان عن العقد، باع «رجل الأعمال» المتر «المنظم» بـ2900 ليرة سورية. وكان قد حاول قبل ذلك شراء جزيرة «ارواد» لتحويلها إلى مكان «للراحة والاستجمام»، وحين قيل له إنها محمية ثقافية دولية طلب من محافظ طرطوس - الذي نقل إليها مكافأة له على إطلاق النار في القامشلي عام 2004 وقتل أربعة مواطنين كرد سوريين - إجبار سكانها على إخلائها، كي يشتريها منهم مباشرة، ويقوم بهدمها وإعادة بنائها، ضاربا عرض الحائط بطابعها التاريخي المميز. هذا على صعيد الخدمات الاقتصادية التي قدمها رامي لوطنه. أما خدماته السياسية فأبرزها اعترافه في مقابلة مع جريدة «نيويورك تايمز» رتبها له القصر الجمهوري الممانع، بعد أربعة أشهر من نشوب الثورة السورية، بأن «أمن النظام من أمن إسرائيل، وأمن إسرائيل من أمن النظام»، فكان اعترافه إقرارا صريحا بما كانت المعارضة تقوله دوما، وهو أن نظام الممانعة كلف نفسه بحماية أمن إسرائيل أو كلفته جهة دولية ما بذلك، مقابل حمايته ومساعدته على البقاء في الحكم!

أعلن رامي مخلوف أنه قرر التبرع بماله للشعب. أيها السوريون، ضعوا أيديكم على جيوبكم وداخلها، كي لا يشملها رامي مخلوف بإحسانه ويسلبكم القليل الذي بقي لكم ولم يتمكن في الماضي من سلبكم إياه!