محمد مرسي وأنور السادات

TT

منذ توليه منصب الرئاسة، يؤكد محمد مرسي بشكل مستمر تبنيه لأبعاد جديدة من الحكمة والنهج العلمي العقلاني. لقد فاجأ خلال فترة حكمه المصريين والعالم الإسلامي والمراقبين الأجانب، بعد إعلان المتحدث باسم الرئاسة، ياسر علي، إحالة المشير حسين طنطاوي، القائد العام للقوات المسلحة، وسامي عنان، رئيس أركان الجيش، إلى التقاعد، ثم تعيينهما مستشارين للرئيس. مثلت هذه الخطوة صدمة كبيرة ودليلا دامغا على أن عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر قد ولى. كان من الواضح جدا أن مرسي رجل يتخذ قرارات كبيرة.

الخطوة الثانية الكبيرة التي اتخذها مرسي كانت إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة. لذا يمكن القول بعبارة أخرى إنه في الوقت الذي خطط فيه المجلس الأعلى للبقاء في قلب المشهد السياسي والاقتصادي، اتجه مرسي إلى التصعيد وغيّر قواعد اللعبة دون أدنى تردد.

ثالث خطوة مهمة اتخذها مرسي هي تكريم أنور السادات. وأود هنا أن أركز على هذه الخطوة الثالثة. نحن في الشرق ما زلنا نعيش في عالم لا يوجد فيه سوى الأبيض والأسود؛ فعلى سبيل المثال، فاجأ تقدير مرسي لجمال عبد الناصر في خطابه خلال قمة عدم الانحياز في طهران كثيرا من المراقبين الذين لم يتوقعوا هذا. وعندما زار قبر أنور السادات يوم الخميس الموافق الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر عام 1973، فوجئ المصريون واندهش كثير من المراقبين. وكما نتذكر، كانت هناك فجوة كبيرة بين الإخوان المسلمين وناصر والسادات. ورافق مرسي كبار قادة الجيش خلال المراسم التي حظيت بتغطية تلفزيونية بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لحرب الثلاثة أسابيع التي خاضتها مصر في عهد السادات والتي يطلق عليها في مصر «نصر السادس من أكتوبر».

وساعدت السيدة جيهان السادات، أرملة السادات، في تنظيم المراسم يوم الخميس.

وقالت: «أشكر الرئيس مرسي مرة أخرى لهذه اللفتة الكريمة وتقديره لأنور السادات. لم نشاهد مثل هذا الأمر منذ 30 عاما».

أصدر مرسي، الذي كان أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين قبل ترشحه للرئاسة، مرسومين رئاسيين كرم فيهما اسمي الرئيس الراحل، ورئيس أركان الجيش في ذلك الوقت، ومنح الميداليات إلى أسرتيهما. كانت علاقة جماعة الإخوان المسلمين بنظام السادات، الذي أصدر عفوا بحق قادتها، لكنه لم يرفع الحظر عن الجماعة، متوترة.

وعبرت القوات المصرية قناة السويس للمرة الأولى منذ حرب الأيام الستة عام 1967، في حرب مفاجئة اندلعت في 6 أكتوبر عام 1973، التي وافقت عيد الغفران اليهودي. وقتل السادات، الذي أدين في أنحاء كثيرة من العالم العربي بسبب إبرامه معاهدة السلام دون الحصول على تنازلات إسرائيلية لصالح الفلسطينيين، أثناء عرض عسكري احتفالا بذكرى نصر أكتوبر. مرسي يكرم السادات الآن ويقدره بصفته بطلا من أبطال حرب أكتوبر، ودعم مرشد جماعة الإخوان المسلمين هذا الموقف بشكل واضح. سأذكر هنا تعليق الأمين العام لـ«الإخوان» الدكتور محمود حسين في صحيفة «الأهرام»:

«أكد الدكتور محمود حسين أن تكريم الرئيس محمد مرسي لاسمي الرئيس الراحل السادات والفريق سعد الدين الشاذلي أزاح كثيرا من الظلم الذي تعرضا له عقب حرب أكتوبر خاصة الفريق الشاذلي الذي وصفه بأنه أزيح من منصبه بشكل غير لائق وجحودا بدوره في النصر علي إسرائيل». وقال الأمين العام لـ«الإخوان» إن الشعب يأمل بعد الثورة في عودة جميع الحقوق التي سلبت من أصحابها قبل الثورة وإعادة كتابة التاريخ كما حدث دون غبن لدور أي قائد أو فصيل في نضاله من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش بكرامة».

أعتقد أن مرسي بأفعاله ودكتور محمد حسين بكلماته نموذجان متفردان في عالمنا العربي. نحن نعاني من غياب العدالة والتسامح في أحكامنا، فنحن نقسم الناس إما إلى أخيار أو إلى أشرار؛ إلى أبطال أو خونة.

يقول الإمام علي: «وأما الجاهل إما مفرِط أو مفرّط». وعندما سئل عن رأيه في أفضل شاعر، أجاب قائلا إنه امرؤ القيس، ولم يقل حسان بن ثابت.

يوضح هذا الحكم وقوله إن امرؤ القيس هو أفضل شاعر استناده إلى محتوى قصائده وإبداعه. كان هناك مفكر ورسام شهير في إيران خلال العصر الجاهلي يدعى ماني. وكان يُعتقد أننا نعيش في عالم منقسم إلى خير وشر ونور وظلام. اليوم هناك مصطلح يستخدم في الخطاب المعاصر هو المانوي ويشير إلى الشخص الذي يرى العالم في إطار الصراع بين الخير والشر فقط. من وجهة النظر السياسية والاجتماعية، جذور كلماتنا وأفعالنا نحن الشرقيين والمسلمين والعرب والإيرانيين، مانوية، حيث يوجد بطل وخصم له؛ وأبيض وأسود. على سبيل المثال في مصر، جمال عبد الناصر بطل بالنسبة للبعض، بينما هو شرير بالنسبة للبعض الآخر. وكان جورج بوش الابن من أشد المتحمسين لهذه الفكرة، فقد كان يعتقد أن العالم منقسم إلى خير وشر وأنه النبي الجديد الذي يحمل هذه الرسالة. في إيران، عندما تم انتخاب مرسي رئيسا لمصر، فسر بعض المسؤولين الحكوميين هذا بقولهم إنه سيكون مجرد دمية وإن السلطة تظل في أيدي المجلس العسكري، والمجلس العسكري أميركي.

تتركز الانتقادات هذه الأيام بعد تكريم مرسي للسادات على القول بعدم اكتمال الثورة في مصر، لأن مرسي كرم السادات الخائن. إنهم لا يستطيعون تقبل الأبعاد المختلفة للشخصية الإنسانية ولا التمييز بينها. في الوقت الذي ربما لا ننظر فيه إلى السادات باعتباره بطلا وزعيما سياسيا، لا يمكن إنكار أعماله البطولية في حرب أكتوبر.

وأجد هذا المفهوم في واحدة من مقالات مصطفى أمين في عمود «فكرة» بصحيفة «الشرق الأوسط». عندما يكون المرء راضيا يقول للآخر يا حبيبي، ويود أن يضحي بصحته وثروته من أجله، لكن بعد بضعة أيام، عندما يواجه مشاكل مع الحبيب، سرعان ما يتغير الموقف تماما، حيث يصبح عدوا وأكبر شر في تاريخ العالم.

لقد شرفت بالعمل مع رئيس الوزراء الإيراني السابق، مير حسين موسوي، فقد كنت نائبه لمدة خمس سنوات. لديه في إيران وجهان، وجه ملاك ووجه شيطان؛ وجه خائن ووجه بطل. إن هذا هو جوهر الحكم في ثقافتنا. لقد غير محمد مرسي هذه الطريقة في الحكم على البشر، فالسادات بطل حرب أكتوبر، وفي الوقت ذاته، يمكن ألا ندعم معاهدة السلام التي أبرمها مع إسرائيل. دعني أقتبس آية رائعة من القرآن الكريم توضح أنه عندما نريد الحكم على عدونا، ينبغي أن نكون منصفين في هذا الحكم، حيث يقول الله في كتابه العزيز:

«يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِين لِلّه شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون» (المائدة آية 8). وتعبر هذه الآية عن مفهوم حساس جدا، وهو أننا لا يمكن أن نصل إلى التقوى دون أن نكون منصفين مع أعدائنا.