انتصار مرسي

TT

ربما يكون هذا الرأي مخالفا، أولا للأكثرية العربية، وثانيا للمنطق السياسي العربي، حيثما وأينما وجد. رأي مختلف، قلنا، ولم أقل رأيا معاكسا، أولا بسبب حقوق الملكية للدكتور فيصل القاسم، ومن ثم لأن في ساحة «الرأي المعاكس» تدور أحيانا ملاكمات، ويتوقف البرنامج عندما يتحول «المحاور» إلى مصارع حر. وهذه «رياضة» لا أقوى على مشاهدتها.

وأما في «الرأي المخالف»، فإنني أرى أن ما حدث في مصر نهاية الأسبوع الماضي، كان انتصارا للرئيس محمد مرسي. وخلاصة الانتصار أن رئيس الدولة فاته أن يقرأ البند الدستوري الذي يمنعه من إقالة النائب العام. وعندما تبين له أنه أخطأ تراجع عن الخطأ، بدل الدخول في مواجهة مع مؤسسة القضاء. أن يقرر رئيس مصر التراجع عن قرار اتخذه، هذا انتصار، بصرف النظر عما أحيط بالمسألة من ملابسات وارتباكات وهزليات ونكات ملأت مصر، كالعادة، في أحلك الساعات.

أن يقرر قاض تبرئة متهمين في أسوأ القضايا حينا، فهذا قرار نادر الشجاعة. قرار خاطئ أو غير خاطئ، ليست بين أيدينا الوقائع التي استند إليها. أما الثابت، فإن التبرئة قرار جريء. ولا يمكن أن يتخذ قاض مثل هذا القرار لولا اتكاله على أنه لا يزال في إمكان القاضي المصري أن يفعل ذلك. والدليل أن المؤسسة القضائية وقفت إلى جانبه ضد الرئاسة ولم تخش مظاهرات ميدان التحرير.

إذن، القانون لا يزال في المحاكم. ومثل هذا الأمر ممكن في مصر وليس في أي بلد عربي. ففي لبنان، أجبرت المظاهرات الدولة على خفض محكوميات السجناء 10%، بما فيها الجرائم الخطيرة وتهديد أمن الدولة. وعلة لبنان ليست في القضاء، بل في افتقاره إلى الحماية، لأن الدولة غير قادرة على حمايته. وتبقى الجرائم الكبرى جميعها، من دون متهمين، وكذلك عدد كبير من الجرائم الصغرى.

يشعر العربي بشيء، ولو قليل، من الطمأنينة عندما يشاهد أمامه القليل من بقايا القانون، كما حدث في تونس أيضا في قضية السيدة التي تعرضت للوحشية من بعض رجال الشرطة.

لقد وضع الرئيس المصري والنائب العام، كل من جهته، سابقة نبيلة في احترام القضاء والقانون، وخصوصا الدستور. ولست اتفق مع الذين رأوا في الحدث هزيمة للرئيس أو للحكومة أو لـ«الإخوان». وعلى فكرة، يجب أن نتذكر أن في مصر حكومة أيضا. ومن الممكن مشاهدة رئيس الوزراء في مكتب رئيس الجمهورية، جالسا أمام المكتب، جهة اليمين. وقد يأتي يوم يتذكر الرئيس ورئيس الوزراء أن ثمة خللا في طريقة الجلوس والاستجلاس.