الصين.. والانتقام

TT

حلم كل رجل أعمال واقتصادي أن يستهلك كل صيني من منتجاته، كما قال لي أحد مصنعي مستحضرات التجميل، ذات مرة، إن أمنيته أن يجد القبول طريقه لمنتجاته في الصين، فيشتري كل صيني منتجه، فيتقاعد ويتمتع هو بذلك.

إنه سحر جاذبية العدد الصيني، فهو المغزى الأكبر ولا شك، ولكن «سر» العدد الصيني لا ينعكس كأرقام فقط على صعيد العرض والطلب، ولكن له أثر هائل على خطط التنمية في الصين نفسها.

فالصين، يعرف العالم أشهر مدنها، كالعاصمة بكين، أو بحسب اسمها الجديد بيجينغ، وكذلك المدينة الساحلية المهمة شانغهاي. ولكن هناك تطورا مهما سيحدث في الصين وسوف يكون له أثر هائل على العالم أيضا.

مدينة شانجشا (تعداد سكانها 3 ملايين نسمة) التي يجهلها معظم من يعيش خارج الصين، تعتبر إحدى المدن (ذات الطبقة الثانية في الصين) التي تراهن الصين على أنها سوف تكون من محركات التنمية الجديدة؛ فهناك تقرير مهم عن تطور مدن العالم، يذكر أنه بحلول عام 2025 هناك 13 مدينة من أسرع مدن العالم نموا ستكون بمدن الداخل الصيني، وأنه ما بين عام 2007 و2025 ستكون أهم 225 مدينة في الصين مسؤولة عن 30% من نمو العالم الاقتصادي!

نعم، هذا هو التأثير المذهل، وليس أكثر، ففي عام 2011 نمت مدينة شانجشا 14.5%، بمعنى أن نموها كان ضعف نمو المعدل الاقتصادي الوطني للصين نفسها، وتتوقع تقارير اقتصادية مطلعة أن تحقق هذه المدينة نموا بثلاثة أضعاف ذلك ما بين عام 2010 و2025، وقد حققت ذلك بأن حولت نفسها لنقطة جذب لصناعة الترفيه والمشاهير وكذلك مقرا مهما ورئيسيا للصناعات الثقيلة، مثل شركتي «ساني» للمعدات الإعمارية و«زوليون».

وليست مدينة «شانجشا» هي المثال لذلك، فهناك مدينة «شنغدو» التي أصبحت مركزا للصناعات التقنية العالية، مثل شركات «إنتل» و«دل» و«تكساس إنسترومفتس»، وتمكنت هذه المدينة من تحقيق نمو فاق الـ15% العام الماضي.

وهناك المدينة الشمالية الشرقية «شنغيانغ» التي تحولت لمركز صناعي مهم وأساسي وتمكنت من جذب مصانع «بي إم دبليو» و«بوينغ».. هذه المدن تتمتع بتكلفة معيشة أقل، وسكان أصغر عمرا، وبنية تحتية عصرية جدا، على عكس حال المدن الكبيرة التي تلوثت وشاخت وهرمت، حتى إن هناك تصورا مستقبليا لسكان مدينة شانغهاي العريقة يوضح أن المتقاعدين الذين تجاوزوا الستين عاما فيها ستفوق نسبتهم نفس الفئة العمرية لمدينة مثل نيويورك الأميركية.

مدن الداخل في الصين سوف تكون محرك التنمية الصينية الجديدة بتكلفة أقل وروح جديدة وقدرة أكبر وعلوم أجد، وسوف يدخل العالم مع ذلك الأمر إلى رحلة أعمق من الهيمنة الصينية الصناعية والاستهلاكية التي ستوجه للاستهلاك الداخلي لأهل الصين وكذلك لرفع القدرة التنافسية والتصديرية للمنتج الصيني الذي سيتحسن ويتطور ليصبح ليس فقط الأقل سعرا، ولكن ذا جودة متطورة.

هناك 17 مدينة صينية سيكون بها سكان يفوق عددهم مليونا وأكثر، وهو رقم مذهل يفوق عدد المدن نفسها في الهند وأميركا والبرازيل. ولكن للتنمية المحمومة هذه تكلفة، فالجريمة تزداد، والخدمة الصحية لم تعد قادرة على تلبية احتياج المدن المتصاعدة، وهناك تحديات على مستويات حرية الرأي والكلمة والدين، لا تقبل بها الحكومة الشيوعية المركزية التي تعتبر كل تلك المسائل تهديدا لأمنها الوطني بشكل واضح وصريح لا غبار عليه.

هذا الحراك التنموي المحموم الذي يحدث في الصين، ليس شأنا داخليا، ولكن مسألة عالمية وسيستشعر أثرها سكان العالم بأشكال مختلفة، في المجالات الاقتصادية تحديدا.. ولكن يبقى السؤال قائما: كيف سيكون الرد الغربي والهندي والروسي على هذا التطور المستمر للصين الذي يهدد بتغيير جذري في قواعد اللعبة وإعادة رسم المراكز القيادية لدول العالم... سخر العالم لسنوات من الصين ويبدو أنها تستعد للانتقام.

[email protected]