أيام خصبة في أذربيجان

TT

تلقيت دعوة كريمة من سفير أذربيجان في القاهرة لحضور المؤتمر الثاني للمنتدى الدولي للحوار الإنساني والذي يدعى إليه – كما حدث في المرة الأولى التي لم أسعد بحضورها، وهذه المرة الثانية التي انعقدت في أوائل أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في «باكو» عاصمة أذربيجان - نخبة من مفكري العالم بقاراته المختلفة وحضاراته المتعددة وثقافاته الكثيرة المتنوعة وعادة يدعى في مقدمة هؤلاء نخبة من الحاصلين على جائزة نوبل في التخصصات المختلفة. وقد أسعدني أن يكون من بين المدعوين هذا العام الأستاذ الدكتور أحمد زويل الذي أطلق عليه دائما اسم ابن مصر البار وقد ألقى كلمة في الجلسة العامة الأولى عن أهمية العلم في بنيان المجتمعات الإنسانية. وهذه هي الرسالة التي وهب لها الرجل نفسه في مصر ومع ذلك يلقى من بعض المصريين ما لا يجدر به.

المهم كان الموضوع الأساسي للمؤتمر هذا العام يدور حول قضية ضرورة توفير العدالة في الاقتصادات العالمية وما يطلق عليه عادة (Globalization) وكيف أن ثورة المعلومات وعدم العدالة في توزيع الثروات سواء على المستوى العالمي أو المستوى المحلي تؤدى إلى مزيد من القلق والتوتر في المجتمعات الإنسانية. وأشار كثيرون إلى أن الوفرة المالية – سواء على المستوى الدولي أو على مستوى الأفراد – لا تؤدي دائما إلى تحقيق السعادة التي تعتمد أساسا على العنصر النفسي الذي يتمثل في الرضا.

وضرب البعض مثلا بأهل بنغلاديش التي تعتبر من أفقر دول العالم ومع ذلك فإن الناس في بنغلاديش والعهدة على القائل يتمتعون بقدر من السعادة لا يتمتع به غيرهم من كثير من شعوب الأرض.

وكانت رئيسة وزراء «لاتفيا» السابقة - وهي حاصلة على جائزة نوبل وبدأت حياتها أستاذة علم نفس ثم تحولت إلى الدراسات الاقتصادية - صادقة وهي تقول: إن «الناس في كثير من بلاد العالم ومنها بعض بلاد الاتحاد الأوروبي يشعرون بالضياع» وضربت مثلا باليونان وإسبانيا بل إيطاليا. وأن الشعور بالضياع والقلق النفسي ليس قاصرا على هذه البلاد، ولكنه يوشك أن يكون عاما وسببه الأساسي هو عدم الإحساس بالأمان أو الاستقرار.

وقال غيرها من المتحدثين وكلهم عالم في مجال تخصصه إن الرأسمالية الأميركية ليست هي أفضل الصور وأن البلاد الاسكندينافية وهي أيضا بلاد رأسمالية إلا أنها تتمتع بقدر من عدالة التوزيع لا تعرفه الرأسمالية في الولايات المتحدة. وقال نفس المتحدث إن «السعادة ليست هي الوفرة المالية وحدها وإنما عناصرها كثيرة منها حب العمل والاكتفاء الذاتي والعلاقات الإنسانية السليمة وفي مقدمتها حب الإنسان لأخيه الإنسان».

وقد ذكرني هذا الكلام الجميل بالكتاب الرائع «الوادي المقدس» الذي كتبه أستاذنا المرحوم محمد كامل حسين والذي أعتبره قطعة من الأدب الصوفي الرائع.

ومن أفضل ما سمعته في هذا المؤتمر أن أفضل استثمار هو الاستثمار في التعليم وأن الاستثمار في التعليم يعكس نفسه على الحياة الاقتصادية والثقافية وعلى منظومة القيم وعلى كل شيء ثم يضيف المتحدث تلك العبارة الرائعة: «قد لا يكون التعليم هو كل شيء، ولكن بغير التعليم ينحدر كل شيء». وهذا صحيح وسليم وما أحوجنا إلى أن ندركه ونعيه ونعمل على تطبيقه في حياتنا التي انحدر فيها التعليم انحدارا مريعا وهذا الانحدار يلقي نفسه على كل مناحي الحياة.

ومن الأشخاص الذين التقيتهم في هذا المؤتمر مشارك من أستراليا متخصص في الدراسات السياسية. يؤمن هذا الباحث بأن الصهيونية العالمية تقف وراء أغلب كوارث العالم المعاصر وأنها بسيطرتها على شبكات المال والإعلام في كثير من دول العالم وبالذات في الولايات المتحدة الأميركية تستطيع إثارة كثير من القلاقل وعدم الاستقرار في العالم المعاصر.

ويرى هذا الباحث أن إسرائيل لا أمل لها في البقاء على المدى الطويل إلا إذا قبلت أن تعيش في المنطقة العربية باعتبارها جزءا منها وتعترف بدولة فلسطينية كاملة السيادة على الأرض التي احتلت في حرب عام 1967 وأن تتخلى عن عنصريتها وغطرستها. هذا هو أملها في البقاء، ولكنه يعتقد أن إسرائيل لن ترضى بذلك ولن تقبله، ومن ثم فإن هذه المنطقة من العالم – المنطقة العربية - ستظل مهددة دائما بعدم الاستقرار.

وقد أعود إلى بحث هذا الباحث مرة أخرى لأهميته.