في انتظار «ضربة استباقية» إسرائيلية

TT

حسم الثورة الشعبية في سوريا بالقوة لمصلحة النظام أو لمعارضيه لا يبدو حتى الآن ممكنا في المدى القريب. لكن وقف القتال وجلوس المتقاتلين حول طاولة المفاوضات للتحاور أو التفاوض، ليس، أيضا، واردا رغم المساعي الدولية لتحقيقه. فهل يعني ذلك أننا أمام حرب أهلية - كالحرب الإسبانية في ثلاثينات القرن المنصرم - تدوم سنوات، تتغذى إقليميا ودوليا؟ أم أن الحل سوف يأتي من جراء صفقة سياسية بين الدول الكبرى؟ أم أن «حدثا ما» في منطقة الشرق الأوسط سوف يخلق أمرا واقعا جديدا يدفع المجتمع الدولي ودول المنطقة، وبالتالي الأطراف السورية المتقاتلة، نحو باب الخروج من هذا الصراع المتفاقم، يوما بعد يوم على الأرض السورية؟

ما دامت قيادات الجيش السوري متضامنة مع النظام، ودول كروسيا والصين وإيران تدعم هذا النظام في مجلس الأمن وتمده بالسلاح وبكل أسباب الصمود، فإن ما حدث في مصر وتونس وليبيا لن يتكرر في سوريا. أي استقالة الرئيس بضغط من القوات المسلحة أو بتخليها عنه، لا سيما أن القسم الأكبر من قيادات الجيش النظامي السوري، مذهبية الهوى أو الانتماء، وأنها باتت بعد سنتين من القمع والقصف والتدمير والتنكيل بالمعارضين، لا تدافع عن الرئيس أو النظام بل عن نفسها أيضا، تحسبا لما قد ينتظرها إذا تغلبت المعارضة.

أما تدخل قوات عسكرية خارجية عربية أو إقليمية أو دولية، في الظروف الراهنة، فليس واردا لدى الدول الكبرى أو الإقليمية، وليس مخرجا مقبولا أو مطلوبا من النظام أو المعارضين.

وأما «الحدث» الإقليمي الذي من شأنه أن يخلق أوضاعا إقليمية جديدة توقف التقاتل في سوريا أو تدفع السوريين نحو مخرج محنتهم فإننا لا نرى سوى اثنين: عدوان إسرائيلي على المفاعل النووي الإيراني أو عدوان على سوريا عبر لبنان إذا ما كان الرد الإيراني قصف إسرائيل بالصواريخ عن طريق حزب الله. ولا شك في أن هذا السيناريو ليس من صنع الخيال بل إن التخطيط له وخططه قد وضعت في إسرائيل وهي لا تنتظر سوى موافقة الولايات المتحدة على توقيت تنفيذها. وقد لا يتأخر هذا التنفيذ إلى أبعد من الأشهر التي تلي الانتخابات الأميركية، لا سيما إذا فاز فيها الجمهوريون. ولا يستبعد البعض إقدام إسرائيل على تنفيذ هذه «الضربة الاستباقية» في الأسابيع السابقة لتسلم الرئيس الأميركي مهامه، كما فعلت سابقا، واضعة العالم أمام الأمر الواقع الجديد الذي قد يضطر المجتمع الدولي، ولا سيما واشنطن وموسكو وبكين والاتحاد الأوروبي، إلى جر دول المنطقة والأطراف السورية المتقاتلة إلى «مؤتمر دولي»، لا يكون الملف السوري البند الوحيد على جدول الأعمال بل ربما عملية السلام في الشرق الأوسط.

قد يرى البعض في هذا السيناريو مجرد تمنيات فكرية نظرا لما قد يترتب عنه من امتداد التفجرات إلى منطقة الشرق الأوسط بأسرها وتعرض المصالح الدولية للخطر. ولكن هل ترك المحنة - الحرب الداخلية السورية - تتمادى من دون حل، عاما أو أعواما أخرى هي الضمانة لعدم امتدادها، إلى كل دول المنطقة وأطرافها؟

هناك سيناريوهات أخرى للخروج من هذه الحلقة السورية الدامية ومنها جمع الدول الإقليمية النافذة، أي تركيا وإيران ومصر والسعودية، في مؤتمر بنده الوحيد الأزمة السورية، ولا شك في أن هذه الدول الأربع قادرة، إذا اتفقت على حل يمكن للأخضر الإبراهيمي أن يضعه عنوانا لمهمته، ولكن مع التسليم بأن هذه الدول وغيرها ممن هي راغبة في وقف حمام الدم في سوريا، قد وافقت على الاجتماع، فإننا لا نرى شكل ومضمون الحل الذي ستتفق عليه. أو الذي سيقبل به النظام السوري ومعارضوه.

لقد فتر حماس الدول الغربية والشرقية للربيع العربي بعد أن تحول إلى سلم تسلقت عليه القوى والأحزاب الإسلامية للوصول إلى الحكم، وإسرائيل التي التزمت بموقف غامض من الثورة السورية، ليست مطمئنة إلى احتمال قيام حكم إسلامي في سوريا، بعد قيام حكم «الإخوان» في مصر، أي وقوعها بين فكي كماشة مصرية - سورية إسلامية العقيدة هذه المرة، كما حدث في الستينات بعد الوحدة القومية بين مصر وسوريا. وأدى إلى حرب يونيو (حزيران) 1967. ولذلك فإنها بين «الخطر» النووي الإيراني والخطر المصري - السوري الإخواني المحتمل، لا تستبعد ما تسميه بـ«الحرب الاستباقية». وفي أدراج قياداتها العسكرية أكثر من خطة لأكثر من حرب أو ضربات من هذا النوع الاستباقي.