لا يهزم الرجال غير النساء

TT

بمناسبة قرب الحج، يقال إن أعرابيا دخل على المأمون قائلا: يا أمير المؤمنين، إنني رجل من الأعراب، فرد عليه: لا عجب، فقال: إني أريد الحج، فرد عليه: الطريق واسع، فقال: ولكن ليس معي نفقة، فرد عليه: سقط عنك الحج، فقال: يا أمير المؤمنين، لقد جئتك مستجديا لا مستفتيا، فاعتدل المأمون في جلسته وقال: لقد هزمني الأعرابي، ثم قال لمن حوله: هكذا يكون الصدق وإلا فلا، وأعطاه ما يحتاجه في رحلة حجه، على شرط أن يعود إليه ثانية، ويذكر أنه عندما عاد جعله من أقرب جلاسه، ولكنه بعد مدة حن لمرابع البادية فأتى المأمون قائلا: يا أمير المؤمنين، لقد ملكتني بكرمك، ولكنني أخشى أن تفسدني الحضارة، فهل تأذن لي أن أذهب إلى من يهواها قلبي لكي ألاعبها وتلاعبني، فرد عليه قائلا: اذهب وأتِ بها إلى هنا وتلاعبك وتلاعبها كما تشاء، فقال له: ملاعبة الصحراء غير ملاعبة المدن، فعرف المأمون أنه حصان صحراوي جامح من الصعب عسفه، فقال لمن حوله: إن الأعرابي هزمني للمرة الثانية، ثم التفت إليه قائلا: إنني سمحت لك وأطلقت سراحك ولكن لا تنسني من الدعاء، ففرح ورد عليه بهذا الدعاء قائلا: اللهم اجز المأمون بفتاة لا تقل جمالا عن فتاتي.

ومن سوء حظه أن زوجة المأمون كانت تتنصت على الحوار بينهما فغضبت من دعائه، فأوعزت لبعض خدمها أن يأتوها به حيا أو ميتا، وفعلا ما إن انطلق الأعرابي في ملكوت الله فرحا حتى أطبق عليه فرسان الخدم واقتادوه إلى سيدتهم، وعندما حضر بين يديها، سألته: ما الذي أجبرك على هذا الدعاء الذي زلزل كياني، فقال لها: إنني على يقين يا مولاتي أن الله لن يقبل دعائي، لأنه لن تكون هناك فتاة في هذه الدنيا كلها أكثر من جمالك، فتركته وذهبت راكضة للمأمون وصارحته بما فعلت، وذكرت ما قاله لها الأعرابي، فقال لها: الآن انتصر الأعرابي للمرة الثالثة، ولكن هذه الأخيرة عليك أنت لا عليّ.

وحسب الروايات أمرت له زوجة المأمون بمائة ناقة محملة بكل ما يحتاجه وما لا يحتاجه، وعندما وصل إلى مضارب قبيلته، تزوج بفتاته ولم ينم ليلتها حتى وزع النياق بما حملت على أفراد القبيلة، وعندما عرفت عروسه الشرسة في الصباح الباكر ما فعل، حتى أخذت حجرا وهشمت رأسه، وكانت ملاعبة ويا لها من ملاعبة.

وعندما وصل خبر وفاته للمأمون قال: الآن انهزم الأعرابي، ولا يهزم الرجال غير النساء.

ومعروف أن العرب في الجاهلية كانوا يحجون، وهذه أبيات (لأبي طالب) عم النبي قالها قبل نزول الرسالة:

وبالبيت حق البيت من بطن مكة

وبالله إن الله ليس بغافل

وبالحجر المسود إذ يمسحونه

إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل

وموطئ إبراهيم بالصخر رطبة

على قدميه حافيا غير ناعل

وأشواط بين المروتين إلى الصفا

وما فيهما من صورة وتماثل

ومن حج بيت الله من كل راكب

ومن كل ذي نذر ومن كل راجل

[email protected]