السلام مع من يسعى إليه يا سيادة رئيس الإقليم

TT

لا أحد يكره السلام، ولا يريده أن ينتشر ويعم أرجاء المعمورة، إلا من به مرض في قلبه ولوثة في عقله، فقد تغنى به الإنسان وسعى إليه منذ أن وجد، لأن بقاءه مرهون به. والسلام كلمة جامعة مانعة، تضم في طياتها كل العبارات والمعاني الجميلة؛ كالرحمة والبركة والنماء والأمن والاستقرار والازدهار والتقدم، ومن دونها يعم الخراب والفوضى والقحط والحروب والمجاعة، ولشدة أهميتها قرنها الله جل في علاه بنفسه وجعلها أحد أسمائه الحسنى وأمرنا أن ندعوه بها، ونجنح لها بشرط أن يجنح لها الطرف المقابل أيضا ويقبل بها، وهذا شرط أساسي من شروط نجاح أي عملية سلام «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها»، أن يتفق الطرفان على بنود عملية السلام ويرضخا لها، فمن غير المعقول أن ترفع راية السلام والمحبة ومقابلك يعد العدة لقتالك والإغارة عليك، هذا لا يعتبر دعوة إلى السلام، بل هو دعوة إلى «الاستسلام» والرضوخ للأمر الواقع الذي فرضه عليك الطرف المقابل «عدوك»، وهب أنه ظل على عناده ولم يرعوِ عن غيه ولم يستجب لنداءاتك «السلمية» ولم يجنح لها.. فهل تظل تعزف على أسطوانة السلام والوئام وضرورة العودة إلى مبادئ الدستور والشراكة والوطنية والاتفاقات المبرمة والالتزام بالعهود والمواثيق وما إلى ذلك من كلام خائب «لا يقدم ولا يؤخر»، كما يفعل القادة العراقيون المعارضون لتوجهات رئيس الوزراء نوري المالكي، رغم أننا وغيرنا قلنا لهم وزدنا وأسهبنا في الكلام وأعدنا ما قلناه مرات ومرات؛ أن «المالكي لا يؤمن بالدستور ولا بالمواثيق ولا بالاتفاقيات ولا بالشراكة الوطنية، إنما يؤمن بشيء واحد لا غير وهو الاستيلاء الكامل على السلطة بأي وسيلة كانت، سواء بالوسائل المشروعة أو غير المشروعة، بالخداع والكذب والملاينة وإثارة الفوضى والأزمات والمعارك أو عبر الدستور والبرلمان، المهم أن يسيطر على مقاليد الحكم في البلاد بيد من حديد بأي طريقة كانت، ويصبح هو الحاكم الأوحد في البلاد من دون منازع، فهو يرى وترى معه أميركا أيضا (وهذه إحدى سياساتها المتناقضة الخاطئة في العراق) أن العراق بحاجة إلى رجل قوي يجيد اللعب على الحبلين؛ يحكم البلاد بيد من حديد وفي نفس الوقت يدعو إلى الاحتكام إلى مبادئ الدستور (المنتقاة طبعا) وينصب نفسه راعيا لها، يفعِّل دور «البرلمان» بقدر ما يحقق له أهدافه السياسية، كما فعل عندما طرح مشروع البنى التحتية للتصويت، ولكن في قضايا أخرى استراتيجية مثل علاقته الاستراتيجية مع النظامين الإيراني والسوري ودعمه اللامحدود للأخير وتعيين وكلاء الوزارات المهمة وتشكيل قيادات الفرق والفيالق وإنفاق الأموال الطائلة على شراء الأسلحة، فإنها تكون سرية ولا يرجع فيها إلى البرلمان أو إلى أحد من أعضاء حكومته.

يبدو أن سياسة «الديكتاتور الديمقراطي» الجارية تطابقت مع توجهات أميركا وأخذت تتبناها وتعمل على فرضها على المشهد السياسي، وخاصة بعد اندلاع الصراع الطائفي عامي 2006 و2007 وراحت تبحث عن شخص يقوم بهذا الدور إلى أن وجدت ضالتها في المالكي فدعمته وساندته رغم معرفتها الكاملة بعلاقته الحميمة مع إيران ودعمه للنظام السوري الغاشم، وهذا يفسر أيضا لغز صفقة الأسلحة الكبيرة التي سمحت أميركا للمالكي بعقدها مع روسيا وجمهورية التشيك، على الرغم من تناقضها الصارخ مع السياسة الأميركية التقليدية في المنطقة والعالم، ناهيك بالرفض القاطع الذي أبدته القوى السياسية الفاعلة الأخرى في البلد حيالها، والتي تعتبر قوى حليفة وصديقة لها.

ولا يحتاج المرء إلى ذكاء خارق ليكتشف سبب انهماك المالكي بشراء الأسلحة والطائرات الحربية والهدف منه، وخاصة بعد الأزمة السياسية العميقة التي افتعلها مع إقليم كردستان وتوجيه تهديدات متكررة لقادته ومواصلة تحشيد قواته العسكرية في المناطق الحدودية مع الإقليم، وإزاء هذه الأوضاع المتفاقمة التي لا تبشر بالخير أبدا، وأمام رجل «حرب» مثل المالكي، لا يمكن أن يقام سلام من أي نوع في العراق، ولن تعدو الدعوات المتكررة التي يطلقها مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان في كل المناسبات لإحلال السلام في العراق، غير فقاعة في الهواء لا تهز شعرة من رأس المالكي ولا تزيده إلا إصرارا على نهجه العدواني ضد الشعب العراقي والكردي بشكل خاص.