خواطر عن الحج

TT

ونحن قاب قوسين أو أدنى من الوقوف بـ(عرفات)، لا نملك غير الدعاء بأن يجعل الحج مبرورا والسعي مشكورا للملايين الذين أتوا من كل فج عميق، والحمد لله أنهم أتوا على عجلات السيارات وأجنحة الطائرات لا على أسنمة الجمال، وهذا فضل من الله كبير.

وعلى ذكر هذه الشعيرة، فقد مارست شعوب كثيرة أصنافا متعددة من الحج، كل على ملته، ومن أعجب أنواع الحج هو ما كان يتم في النمسا قبل قرون، واسم ذلك الحج (طواف الجبال الأربعة)، وقد كان يقتضي من الحاج أن يسير 39 كيلومترا، ويتسلق جبل (المجدلية) الذي يبلغ ارتفاعه 1100 متر، وجبل (أولريخ) البالغ ارتفاعه 1025 مترا، وجبل (لورنتيسي) البالغ علوه 960 مترا، وجبل (فايت) البالغ ارتفاعه 1175 مترا، ثم حضور القداس على قمة كل جبل، كل ذلك في فترة لا تتجاوز 24 ساعة تبدأ من منتصف ليل كل ثالث أحد يلي عيد الفصح.

ويحق لنا أن نقول: الحمد لله على نعمة الإسلام. ونبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع ما كان يستفتيه ويسأله سائل إلا ويسر له السبيل قائلا: افعل ولا حرج.

والحمد لله كذلك الذي مكن لنا في العصر الحديث اختراعات أو اكتشافات عقاقير التطعيم والمضادات الحيوية، فتراجعت الأوبئة التي كانت تحصد الناس حصدا كلما قدموا للحج. فها هو (الدحلان) ذكر لنا أنه في حج 1246 هجرية، حصل في مكة وباء عظيم حتى صار الموتى مطروحين في الطرقات. ونزل الناس من منى والجمال محملة بالأموات، وعجز الناس عن تجهيزهم ودفنهم كل واحد منهم على حدة، فحفروا لهم حفائر كبيرة، يدفنون كل مجموعة منهم فيها دفعة واحدة. غير أننا لا نعدم بعض التصرفات العجيبة، ومنها مثلا ما أمر به (خليل الظاهري) رئيس دار الضرب المصرية، حيث تسك العملة، عندما قرر أن يحج عام 1455 ميلادية، وأمر خدمه أن ينثروا النقود الذهبية على طول الطريق المؤدي إلى مكة، وطوله 1200 كيلومتر، بحيث كان الجمل الذي يركبه هو يطأ الذهب كلما رفع قوائمه ووضعها أرضا، وكان الخدم يلتقطون هذه النقود ويجمعونها في أكياس.

وأحلى ما في الموضوع أنه عندما وصل وزع كل الذهب على فقراء مكة.

ومع الأسف أن بعض الشعراء هداهم الله لا تظهر قريحتهم الشاعرية (الخربانة) إلا في أيام التشريق - يعني (حبكت)؟! وإليكم ما قاله الشريف الرضي غفر الله له:

من معيد لي أيامي بجزع السمرات

وليالي بجمع ومنى والجمرات

وظباء حاليات كظباء عاطلات

رائحات في جلابيب الدجا مختمرات

راميات بالعيون النجل قبل الحصيات

ألعقر القلب راحوا أم لعقر البدنات

يا وقوفا ما وقفن في ظلال السلمات

موقفا يجمع فتيان الهوى والفتيات

فسقى بطن منى والخيف صوب الغاديات

[email protected]