آخر يوم في حياتك!

TT

أحد أسرار تميز قائد إمبراطورية شركة «أبل» الراحل ستيف جوبز أنه كان يسأل نفسه يوميا السؤال التالي: «إن كان اليوم هو آخر يوم في حياتي، فماذا يجب عليّ أن أفعل؟». وهذا السؤال الجوهري هو عمود الخيمة في كل أدبيات وضع الأهداف والتخطيط الإداري السليم على الصعيد الفردي والمؤسسي.. فعندما تتأمل في الإجابة فستقفز إلى ذهنك أهم الأمور في حياتك وقيمك مثل أفراد أسرتك وعلاقتك مع خالقك، وتشعر بأهمية أن تسارع إلى إتمام أهم مشاريع حياتك المعلقة، وستسعى إلى تحقيق ما بوسعك من أهداف مالية لربما ينتفع بها أفراد أسرتك من بعدك. ولربما يهرع البعض إلى المساجد ليستغفر ويتوب ويتضرع إلى بارئه أن يغفر له ما ارتكبه من أذى في حق نفسه والآخرين.

إن ستيف جوبز، الذي قاد ثورة غير مسبوقة في عالم الهواتف الذكية والحواسب اللوحية، قد طرح سؤالا في غاية الأهمية لأنه يجعلك تفكر بما هو المقدار اللازم من المهام التي يمكنني أن أنجزها اليوم لأقترب من هدفي. وهذه مسألة مهمة لأن كل هدف عظيم كان عبارة عن سلسلة من المهام المتقنة. ولأن اليوم 24 ساعة ثلثها نوم وثلثها تلتهمه الوظيفة، فلا يمكن أن ينجز المرء كل أهدافه بضربة واحدة، لكن يمكنه أن يخطو خطوات يومية باتجاه هدفه. وهذه الخطوات تجعله يشعر بالسعادة الغامرة لأنه يتقدم نحو وجهته الصحيحة.. مثل من يقود سيارته باتجاه مدينة ما كلما رأى اللوحات المرورية ومعالم الطريق الدالة على اقترابه من مقصده اطمأنت نفسه إلى أنه صار قاب قوسين أو أدنى من مبتغاه أو هدفه.

وإنني حقيقة لأعجب حينما أسأل من تقدم بهم العمر، ونالوا أعلى المراتب العلمية، ما هي أهدافكم الحياتية، فيحتار في الإجابة وربما يعتقد أن الهدف مرتبط بالشخصيات العامة أو أعلام المجتمع، وينسى أن كل فرد لا بد أن يكون لديه قائمة أهداف مكتوبة في المجال الوظيفي، والأسري، والمالي، والصحي، والروحاني أو الديني. ولحسن الحظ فإن البعض نجح في تحويل بعض الأهداف المهمة إلى عادات مثل الأكل الصحي، أو الرياضة، أو القراءة الثابتة في وقت محدد سواء منفردا أو مع مجموعة محفزة من الأصدقاء، فرفع عن كاهله عبء كتابة هذه الأهداف ومتابعة تنفيذها لأنها تحولت إلى عادات حميدة. لكن هناك أهداف عديدة لا بد أن تكتب، بل وتكتب بذكاء، أي تكون قابلة لـ«التطبيق والقياس ومحددة بمدة زمنية معينة» حتى يمكن لمسها على أرض الواقع. وأظهرت دراسة سابقة لجامعة هارفارد أن من يكتب أهدافه ولا يجعلها في ذهنه فقط، فإنه يحقق بعد سنوات عدة نجاحات مادية مضاعفة ويصل إلى أهدافه بصورة أسرع ممن لا يكتب.

ولذا، فإن من الأهمية بمكان أن يدون الفرد يوميا أهدافه على ورقة، ويتأملها ليتحمس لها ثم يختار ليومه المهام أو الخطوات التي يمكن أن ينجزها للوصول إلى هدفه النهائي. ولا ننسى أن من يحتقر المهام الصغيرة لن يظفر بتحقيق أهدافه، ولذا قيل: لا تحقرنّ صغيرة.. إن الجبال من الحصى.

والأهم من ذلك أن يطرح المرء يوميا على نفسه سؤال ستيف جوبز، ثم يوطن نفسه على الالتزام بإنجاز الجزء اليومي من الأهداف المعقولة، مهما كانت الظروف، لا أن يكون الإنسان ريشة في مهب الريح تحركها أهواؤه أو المحيطون به على حساب الإنجاز المتقن.

[email protected]