منسوبات لغوية

TT

كان الشاعر أمين نخلة من كبار اللغويين في لبنان خلال القرن الماضي. وقد شهد النصف الأول من ذلك القرن حركة واسعة في العناية بأمور العربية، وضبط قواعدها، وتوسيع مفرداتها، وتشذيب ما رآه البعض هفوات عند الأقدمين. ووضع عدد كبير نسبيا من المشتغلين بالصرف والنحو والقواعد والشروح، كتبا وقواميس لا تزال معتمدة حتى اليوم.

غير أن أمين نخلة يذهب إلى القول إن بعض هؤلاء استحدثوا كلمات جديدة نستخدمها اليوم. وينسب إلى أحمد فارس الشدياق الكلمات التالية: الجريدة، المؤتمر، الحافلة، المطعم (لدكان الأكل) السلك البرقي (للتلغراف). وغيرها. ويقول إن الشيخ خليل اليازجي وضع ألفاظا، منها: الجواز، الردهة، القفاز والنوط. ووضع نجيب الدحداح الصحافة، وشاكر شقير المنظرة، والدكتور خليل سعادة آداب السلوك، والدكتور بشارة زلزل، البطريق، للسمين من الطيور.

ويقول نخلة: من الألفاظ اللبنانية التي شاعت أوائل القرن، ما وضعه عبد الله البستاني كالآنسة والعقيلة والداهية. ومنها ما وضعه الدكتور يعقوب صروف، كالمصح والتلفزة والصلب (للفولاذ)، وما وضعه سعيد الشرتوني كالعاديات (للأشياء القديمة) والقطار (للسكة الحديدية) والقاطرة. وما وضعه سليمان البستاني كالملحمة (للطوال من القصائد القصصية)، وما وضعه الدكتور أمين باشا المعلوف، كالنفط للبترول، ومن إبراهيم اليازجي ألفاظ كالمجلة والبيئة والحساء والدراجة والحاكي واللولب والشعار والمقصلة والمقصف والحوذي (سائق عربة الخيل) والشحنة والطارئة (وهي الجماعة تطرأ من أرض إلى أخرى) والطلاء والبائنة والمدد (لقلم الحبر) واستكراه النبات، أي معالجته بالطرق الصناعية حتى يخرج زهره أو ثمره في غير أوانه.

لا جزم في ما قاله «الأمين» الذي اشتهر بأنه كتب أكذب الشعر وأصفى النثر، لكنه صدق في ماسية اللغة نثرا وشعرا وتصويبا وتخطئة. ولو بقيت اللغة في عهدة من تعهدها من ذَودة لما تهالكت أمام التعجيم السهل. وبالإضافة إلى ذلك، وضع لها ضرر أكبر وسوء أسوأ من لغة الإعلان التجاري الذي ذهب إلى العامية والمحكية في البلدان العربية جميعا. والمؤسف أن البادئين في هذا الانحدار كانوا أهل العامية اللبنانية بغير قصد، ولكن بهوس غير مسؤول. وانتشرت هذه العادة في كل البلدان، وملأت يومياتنا على التلفزيون واليافطات والمباني، كأنما الناس غير قادرة على قراءة الإعلان بلغتها. والأصح أن صاحب الإعلان غير قادر على كتابته بلغتنا.