لماذا الكويت؟

TT

نشاط المعارضة الكويتية سابق لاندلاع ما سمي بالربيع العربي.

المواجهة المرهقة بين الحكومة والبرلمان، ليست وليدة اليوم ولا هي من منتجات «الربيع العربي» كما يسمى، فقد تعين الشيخ ناصر المحمد الصباح رئيسا للحكومة لأول مرة في فبراير (شباط) 2006، واستقالت حكومته للمرة السادسة بفعل ضغط المعارضة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011.

الجديد، هو توظيف «جو» الربيع العربي - الإخواني، في المعركة الكويتية الداخلية، التي لها أسباب تخصها ونابعة من وضعها وظرفها الملتصقة بها.

في التحشيد الأخير على حكومة ناصر المحمد 2011، الذي ترافق مع زخم الشعارات الانتفاضية في ميادين القاهرة واليمن وتونس وليبيا، رفع شعار جديد على القاموس الكويتي السياسي الداخلي، وواضح منه التأثر بجو الربيع العربي ومحاولة استثمار طاقة الزخم فيه، وهو شعار: «ارحل»، الذي قيل لمبارك مصر، وبن علي تونس، وغيرهما. لاحظ عزيزي القارئ أن المواجهة بين البرلمان والمعارضة التي تسانده في الشارع، سابقة لكل فصل الربيع العربي - الإخواني، ولكن تمت إضافة هذه اللمسة الربيعية عليه لمحاولة إلحاق الحالة الكويتية بالحالة الربيعية العربية كلها، بشكل أو بآخر.

هذا أمر مباح في السياسة والدعاية، فهكذا هي طبيعة الأمور؛ غير أن الأمر الذي يستوقف المتابع، هو لماذا تم تفعيل الحالة الكويتية الآن؟ خصوصا بعد «تعثر» الربيع العربي، الذي أسفر عن ربيع إخواني صرف في تونس ومصر، بشهادة رفاق الثورة أنفسهم، الذي يشعرون الآن بخيبة ومرارة من جشع الإخوان على السلطة، وانكشاف أجندتهم الحقيقية التي كانت مطمورة تحت رمال الزحف الثوري الجامح.

يجادل بعض المناصرين للمعارضة الحالية في الكويت الآن، بأن هناك مبالغة في تقدير دور الإخوان وأبناء التيار الديني السياسي في الكويت، ويطرحون أسماء نواب وشخصيات من المقطوع به أنها ليست من الإخوان ومن لف لفهم، لا من قريب ولا بعيد، وهذا صحيح. لكن من في مصر أيضا لم يكن الروائي علاء الأسواني أو المناضل اليساري جورج إسحاق، من الإخوان المسلمين، وهما كانا من أكثر الأصوات الثورية المدوية ضد مبارك، وكان الإخوان أقل صخبا وظهورا من هؤلاء. والسؤال: أين هم الآن في لحظة الحصاد الحقيقي؟!

أما لماذا الكويت الآن؟ ولماذا يتنادى الإخوان الدوليون «للفزعة» والمناصرة لما يجري في الكويت، من كل أصقاع الأرض، وهم إخوان لا غبار عليهم ولا شية فيهم؟!

هذا سؤال صعب، ولكن باختصار شديد أقول ربما كان الأمر بسبب قلة ذات اليد وصعوبة التكاليف الإدارية في دول الربيع التي سيطر عليها الإخوان، خصوصا مصر وتونس، ولاحقا ربما اليمن. فهي دول تمر بظروف اقتصادية صعبة جدا، والخليج هو بئر بترول بالنسبة لهم، كما أشار الكاتب مأمون فندي في هذه الجريدة.

بالنظر للخريطة، تبدو البحرين غير مغرية، فهي ليست الدولة الأغنى، كما أن إخوانها في حالة تحالف مع السلطة ضد الصولة الشيعية. أما الإمارات فهي متحفزة ويقظة جدا للإخوان، ويكفي متابعة كلام الجنرال ضاحي خلفان. وقطر مع الإخوان «سمن على عسل». أما السعودية فحالة معقدة وصعبة، وفيها حسابات دقيقة جدا، ويكفي أنها حاضنة الحرمين، وصاحبة الوزن الدولي الثقيل، في الطاقة والسياسة. وعمان كعادتها بعيدة عن كل هذا الصخب. لم يبق إذن إلا الكويت، الغنية، الديمقراطية، الساخنة سياسيا، وذات الحضور الإخواني الاجتماعي والسياسي القديم.

لا ندري.. ربما كان هذا هو المنشود، لكن صحوة «الدولة» الكويتية، وحزمها الأخير، قد يفوت الكثير من هذه الأماني، التي هي خارج حدود المطالب الكويتية المعتادة في الإصلاح. ويبقى أن الإصلاح والتنمية وحرية الكلام، حق لا منة فيه لأحد على الناس، لكن هذا أمر آخر، غير ما نحاول فهمه هنا.

بكلمة: كل يسعى على شاكلته، وتبقى الأمور الجديرة بالبقاء الحقيقي في نهاية المطاف.

[email protected]